لا يزال صدى الحرب اللبنانية يتردّد في قلوب الشعوب، هامساً في آذانها كلمات الأسى وحروف الحزن. ولهذا الصدى جُمَلٌ خفيّة يسمعها أولاد أمهات، أخوات وزوجات خسرنَ أغلى مَن لديهنّ خطفاً، فاستحالت حياتهنّ نضالاً لاسترجاعهم. هذا النضال، الذي ضاع بين عقارب الزمن، تجسّد في فيلمٍ لبناني، صرخ في وجه العدالة والحق: "وينن".
فيلم من كتابة جورج خباز، جمع باقة من ألمع الممثلين، منهم لطيفة ملتقى، أنطوان ملتقى، كارول عبود، رودريك سليمان، تقلا شمعون، ليليان نمري، ديامان بو عبود، كارمن لبس، ايلي متري، ندى بو فرحات، طلال الجردي، جوليان فرحات، وزياد صعيبي. وأخرج العمل 7 متفوقين وخرّيجين جدد من جامعة "سيّدة اللويزة" التي كان لها الدور الأكبر فيه من حيث الإنتاج واستقدام المعدات التصويرية كافة، وبالتعاون مع مؤسسة إميل شاهين. وقد افتُتح في صالات "Grand Cinemas" في مجمع الـABC ضبيه، في حضور نخبة من الممثلين.
العمل متكامل، وقد نجح كتابةً، إخراجاً وأداءً، ونجح أيضاً في تحريك مشاعر كلّ إنسان عانى أو لم يعانِ من أسى الحرب. اختبرنا في الفيلم معنى فقدان شخص مقرّب إلينا، وتساءلنا مع كلّ شخصية عن مصير المفقودين، إن كانوا أحياء أم أموات. وُضعنا معهم بين مطرقة التخلّي عن القضية وسندان النضال لمعرفة الحقيقة. غضبنا، حزِنّا، ثرنا واستسلمنا معهم في كلّ مشهد.
قضيتهم أصبحت قضيّة كلّ واحد منا، وانتماؤنا إليها مصدره العمل الكتابي للنص لأنه مسّ أعمق المشاعر الموجودة في قلوبنا وخدش حياء كل مسؤول لم يحرّك ساكناً لمعرفة الحقيقة. فقد أجاد جورج خباز كتابة النص وتألّق كعادته في إيصال المشاعر والأحاسيس عبر الكلمة، وقال لـ"الجمهورية" إنّ "الفيلم مقسّم 7 أجزاء، أخرج كلّ جزء مخرج من خرّيجي جامعة اللويزة التي اختارت إدارتها إنتاج الفيلم واختيار المخرجين المتفوّقين لتثبيت متابعتها طلابها بعد التخرّج. وقد جمع نخبة من أهم الممثلين اللبنانيين الذين عملوا على خدمة القضية التي يحملها الفيلم شكلاً ومضموناً.
أما تنفيذه فهو سابقة في العالم العربي لأنها التجربة الأولى للمخرجين المتخرّجين، الذين عملوا في إشرافي وإشراف نيكولا خباز ووسام لحود. ولاقى الفيلم نجاحاً باهراً في المهرجانات السينمائية العالمية".
وعن توقعاته لنجاح الفيلم جماهيرياً قال خباز "لكنّنا لا نتوقّع أن ينجح جماهيرياً لأنّ لغته السينمائية صعبة ولأنه سيُعرض لمدة أسبوعين فقط في الصالات". وهو يرى أنّ "الحضور اللبناني خفيف في السينما اللبنانية، ويتأثر بنوع الفيلم المعروض. فنجد أفلاماً تجارية تلقى تهافتاً كبيراً ونجد أُخرى نخبوية لا تنجح جماهيرياً.
وتوجد أيضاً أفلام حقّقت المعادلة الصعبة في جمع الإثنين معاً مثل فيلم "غدي" وأفلام المخرجة نادين لبكي. فهي أفلام تتمتع بمستوى عالٍ ويتفاعل معها الناس في الوقت نفسه. وهو أمر صعب جداً يحتاج موهبة وإدراكاً لحسّ الناس ومستوى فنّياً وقاعدة ثقافية واسعة".
أخرج القسم الأول بعنوان "كارول" ناجي بشارة، وشارك في تمثيله كارول عبود ورودريك سليمان، أما القسم الثاني "لطيفة" فأخرجه جاد بيروتي الذي أجاد إظهار إبداع لطيفة وأنطوان ملتقى. فهذا الجزء هو أحد أجمل أجزاء الفيلم، لأنه جمع النص الغني بأفكار صيغت بعبارات رائعة ممزوجة بمشاعر لطيفة وأنطوان، فأتى تأثيره كبيراً وقوياً جداً في الحضور.
"تقلا" هو الجزء الثالث وأخرجته زينة مكي، وهو الوحيد الذي يتمتّع بالفكاهة التي ساهمت بإظهارها الممثلة ليليان نمري إلى جانب تقلا شمعون، أما الجزء الرابع "ديامان" فهو ثاني أجمل جزء من إخراج طارق قرقماز الذي أتقن إخراج روعة تمثيل وأداء ديامان بو عبود وإيلي متري، فبيّن لنا المعاناة النفسية التي تعيشها ديامان، وتأثير خطف الأب وغيابه في حياة ابنته، فتأرجحت المشاعر بين القوّة والضعف، والنضال والاستسلام.
"كارمن" هو الجزء الخامس، أخرجته كريستال إغنيادس وأدّت فيه كارمن لبّس دور الزوجة التي فقدت رفيق دربها والتي قرّرت متابعة حياتها مع عشيقها الذي يؤدي دوره جوليان فرحات، ويظهر في هذا الجزء شعور الزوجة التي فقدت هويتها والتي لم تعد تعرف كيف تكمل حياتها: بالاستسلام أم بمتابعة النضال؟
ماريا عبد الكريم أخرجت جزء "ندى" الذي شاركت فيه ندى أبو فرحات وطلال الجردي الذي يؤدي دور نائب في البرلمان اللبناني، ويُظهر في النص رسائل سياسية عميقة وواقعية.
أما الجزء الأخير فهو بعنوان "ساحة الاعتصام"، شاركَ فيه جميع الممثلين وأخرجه سليم الهبر، وحمَلَ تناقُضاتٍ كثيرة أظهرت حال أهل المخطوفين النفسية، فتلاقى الجميع بأساهم وحزنهم وصرخوا سوياً "وينن".
هذا الفيلم ليس رسالة إلى المسؤولين فقط تحاول إيقاظ ضمائرهم لفتح ملف مفقودي الحرب مجدّداً، بل هي صرخة إلى كليات السينما في الجامعات اللبنانية، عساها تحذو حذو جامعة اللويزة في إنتاج أفلام ذات مستوى عالٍ من حيث الإخراج والأداء، فأمل السينما اللبنانية هو في هؤلاء الشباب الخرّيجين الذين يبحثون عن إنتاج لقدرتهم الفكرية والتي لن تتفجّر إلّا بدعم جامعاتهم لهم.
لذلك لا يمكن إلّا أن نذكر كلمة نائب رئيس شؤون الثقافة والعلاقات العامة في جامعة اللويزة الدكتور سهيل مطر قبل عرض الفيلم الذي أثنى على الرسالة الإنسانية وعلى جهود كلّ من شارك في إنجاحه، مشدّداً على "أننا سنبقى جامعة ومجتمعاً مدنياً وسنصرخ دائماً "وينن" في الآذان الصماء وفي صحراء الغربة حتى يستفيق الضمير ويأتي الجواب".
(ميريام سلامة - الجمهورية)