حملت في صوتها وقلبها قضية الوطن الحلم والإنسان لتكون رسالة خير وسلام... إلتزامها الفن الحقيقي حوّلها شمعة في عتمة اليأس تشعّ أملاً لتضيء شعلة الحب والرجاء. مسيرة فنية طويلة سخّرتها في خدمة الله والإنسان حتى أصبحت كالبخور الذي ينثر الطمأنينة والأمل في كل مكان.
إنها الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي التي غنّت الحب والوطن والإنسان بأجمل صورة، جامعة أكثر من جيل بخيط من حرير قوامه فن نموذجي يعيش ويبقى في كل زمان ومكان.
ماجدة الرومي التي حققت حلمها في الفن، عاشت مجداً وحباً ونجاحاً كبيرا، لكنها لم تنبهر بالشهرة يوماً. سمعت نداء الحياة فسخرت موهبتها في خدمة الإنسان والخير.
التزامها العمل في جمعية "رسالة حياة" يمنحها فرحاً ليس من هذه الأرض. فشباب "رسالة حياة"، بحسب قولها، يفتحون أبوابهم للناس جميعاً من دون مقابل "هيدا لبنان اللي بآمن فيه والله مبارك هالجمعية". وهي سعيدة بافتتاح مركز خاص في أدما لإستقبال كل مريض ومحتاج. هذا الخط الإنساني في حياتها يعطيها فرحاً كبيراً لتحتفل بالحياة من خلال زرع الخير.
تعيش ماجدة الرومي في عالمها الخاص، تستمع إلى موسيقاها المفضلة وتتابع ما ينمّي ثقافتها "ولا يوم وقفت إتعلّم".
بعيدة عن الوسط الفني بإرادتها، وتصف هذه المرحلة بالضبابية كوننا نعيش زمناً صعباً "ونجود من الموجود"، وهو أمر يسيء إلى النتيجة، في وقت كانت مهرجانات بعلبك في السابق مختبراً أساسياً لإكتشاف كبار الفنانين في لبنان. تعتبر أن لدينا مواهب واعدة اليوم لكنها تحتاج إلى رعاية، وثمة فئة أخرى يُصوّر لها الفن على أنه وسيلة للربح التجاري فحسب. على مستوى المسرح ترى أن هبة طوجي من أجمل الأصوات وهي في أيد أمينة مع أسامة الرحباني إبن العائلة الرحبانية الكبيرة.
بين الأمس واليوم، تجد أن فناني هذا الجيل لديهم تسهيلات أكبر، لكنهم حرموا السلام وراحة البال ولا من يأخذ بأيديهم "نحنا جيل حرب كنا نقضيا من ملجأ لملجأ وكان بس همنا نضلّ عايشين... أنا مثلاً وقّفت من الـ 74 وما قدرت إرجع إلا عام 1986. بجرش شوفي قديه ضيّعت وقت... لكني أؤمن بأنو ربنا لما يكتب لصوت يوصل رح يوصل"... المستمع اليوم مثقف ومنفتح ولا يزال حريصاًً على الذوق السليم شرط تقديم الفن الجيد له. وليس صحيحاً أن الناس تريد فقط بعض الفن السطحي الذي يجتاحنا. ترى أن النتيجة العامة أقل من المفروض في بلد مثل لبنان رسالته الأولى فنية وثقافية. "الفن الجيد متل السنديانة بدو وقت لينمى" لكنها لا تفقد الأمل بوجود فيروز وبعض الأصوات الكبيرة ولو أنها رحلت عنا، إضافة إلى ارتباطنا بالجذور، شرط أن يدرك الإعلام أهمية دوره ورسالته لإيصال هذا الفن إلى جيل الشباب.
ألبومها المقبل تصفه بأهم أعمالها كونه يضم باقة من أجمل الأغاني، وهي تجمع فيه أكثر من جيل، إذ يضم قصائد من سعيد عقل، ونزار قباني وطلال حيدر وجرمانوس جرمانوس وألحانا من حليم الرومي وإحسان المصنذر، ومروان خوري، وسليم عساف، وجان ماري رياشي... لا تتوقع أن تبدأ بمرحلة التسجيل قبل تشرين الثاني المقبل لإرتباطها بحفلات ومهرجانات في عواصم عربية وأوروبية عدة. إضافة إلى حفلة في 28 حزيران خاصة بالقديسة رفقا.
تفتتح ماجدة الرومي في 26 حزيران مهرجانات بيت الدين الدولية برفقة 45 عازفاً وكورساً من ثلاثين منشداً، وتتحضر لهذة الحفلة بفرح كبير. تعتبر إنها إبنة هذا المهرجان العريق ويجمعها به رابط عاطفي كبير "بحب هالموقع وطريقة تعاملن والمستوى اللي بيشتغلو فيه...". نفاد البطاقات قبل شهر من موعد الحفلة يشعرها بالفرح والقلق معاً. مع بدء العد العكسي وفترة التمارين تعيش تحدياً كبيراً من أجل أن تأتي حفلة هذا العام الأجمل على الإطلاق.
برنامج الحفلة هذا العام مدته ساعتان تغني فيه أعمالاً رسخت في الذاكرة الوطنية مثل "عم بحلمك يا حلم"، "ست الدنيا"، "كلمات"، "اعتزلت الغرام"... إضافة إلى بعض الأعمال من ألبوم "غزل". وقد خصّت هذه الليلة المنتظرة بأغنية من كلمات طلال حيدر ولحن سليم عساف يقول مطلعها:
"على باب العتمة معلّق قنديل النار/ ما تقولو طوّل هالليل قولو بكرا جايي نهار/ وما تقولو صار اللي صار وعم تلعب فينا الأقدار/ إذا الظلم بيربح جولة الحرية قدر الأحرار".
ماجدة الرومي تستغلّ كل فرصة لتبدي إعجابها بشعب لبنان، "حبو للحياة كبير بالرغم من كل السلبيات، وحسيت لازم قدّم أغنية إستنهض فيا النفوس... وبتصور أخطر من الحرب اللي صارت إنو نوقع باليأس هيك بينتصرو علينا... بس اتأكدت ما في خوف على الشعب اللبناني بيلبقلو ينقال عنو طير الفينيق".
وعن استبعاد الفنان اللبناني عن بعض المهرجانات اللبنانية العريقة، اعتبرت أن بعض الفنانين يستحقون الوقوف على هذه المسارح والمطلوب من وزارة الثقافة أخذ الأمر في الإعتبار لأن الأولوية للفنان اللبناني.
حلم ماجدة الرومي أن تكون صوتاً من لبنان للخير والحق والجمال، وهي سعيدة بتقدير الناس لها على المستويين الإنساني والفني. وعن بعض الإنتقاد الذي نالها أخيراً من الفنان زياد الرحباني ردّت: "ما عندي تعليق بس ما بعرف قديه زياد مطّلع على عمق هالصوت ليقول اللي قالوا"... وبالنسبة الى الفنان ملحم بركات وإن كان ثمة إمكان للتعاون مجدداً، ذكرت أنها، رغم تقديرها الكبير لإبن بلدتها واعتباره ملحناً كبيراً وصوتاً من أجمل الأصوات إلا أنه إنسان عصبي، وهي قد وصلت إلى مرحلة لم تعد تحتمل فيها أيّ تجريح من أحد، وبالتالي فإن إمكان التعاون مجدداً بات شبه مستحيل. ماجدة أيضاً قدّرت اعتذار غسان الرحباني لها "كأن عندي ولد وغلط"... وأكدت أن عائلة الرحباني من قيمنا اللبنانية "ومش وارد أرشقن بوردة، وأقول لغسان، عدا محبتي للياس الرحباني، بعتبر "عم بحلمك يا حلم" أغنية خالدة للتاريخ وما بحاجة لحدا يحكي عنها".
هي تتقبل الإنتقاد لأن الفن ألوان وأذواق، لكن يزعجها الرأي الصادر بغية الأذى فحسب.
ماجدة الرومي، رغم هدوئها، هي في حالة غليان لا يهدأ. قوية بإيمانها، وقد ذكرت أن لا شيء قادر على كسرها لأنها اعتادت مفاجآت الحياة بحلوها ومرّها. وتؤكد أن الحياة نحتتها لتكون ما هي عليه اليوم، وفي حين أن ما تعرضت له من صعوبات كان من الممكن أن يقودها إلى طريق مظلم غير أنها اختارت طريق النور.
تعتبر السعادة لحظات تشعر بها من خلال سلامها ونجاحها، وعبر أبسط أمور الحياة "أوقات صوت الشتي بيفرحني وزقزقة العصفور والفراشة الطايرة... هيدا عياري أنا حدا جايي يحتفل بالحياة ويستغل الخير اللي حطو فيي ربنا لزرع الأمل والإيجابية والخير بكل الناس اللي حواليي. أنا شفت أختي على فراش الموت عم تقول أنو الحياة هدية ولازم نعيشا وكلماتا ما بيروحو من بالي"...
التوازن بين العائلة والفن يشعرها بالسعادة وتعتبر العائلة ضرورة أساسية للفنان على المدى البعيد لأن الفنان في حاجة إلى واحة خضراء جميلة يثبّت قلبه فيها.
ماجدة الرومي قد تعتزل الفن في أي لحظة لأنه ليس أقصى طموحها، فهي تحلم بإكمال دراستها في الجامعة، كسر القواعد والسير عكس التيار... "ببساطة عبالي عيش تجربتي ما بدي كرّر تجربة حدا" .
(نسرين الظواهرة - النهار)