انور عقل ضو
هدوء يلفّ الساحات والأسواق، قرى وبلدات تبدو شبه مهجورة، ولا أثر فيها لحياة أو ما يشي بأن ثمة صيفاً على الأبواب، معظم المؤسسات السياحية لن تفتح أبوابها، ومهرجانات الصيف مؤجلة حتى إشعار آخر، أو قد يستعاض عن بعضها باحتفالات متواضعة. أما الخليجيون الذين يملكون أكثر من خمسة آلاف وحدة سكنية، فلن يكون لبنان وجهتهم هذا الصيف، فيما الرهان على المغتربين وحدهم لإضفاء بعض معالم الحياة في صيف بدا ماحلا ولا بواكير تنبئ بقدومه.
لا يقتصر المشهد السياحي والتجاري القاتم في المتن الأعلى على هذا الوضع الحالي فحسب، بل يؤكد أصحاب مؤسسات سياحية لـ«السفير» أن «المنطقة منكوبة اقتصاديا منذ ثلاث سنوات»، إضافة إلى مشكلة تبدو ماثلة بقوة لجهة قطاع الايجارات الصيفية الذي يعتبر رافدا اقتصاديا مهما لنحو 60 في المئة من أبناء المتن الأعلى، وهذا ما ستترتب عليه نتائج صعبة ستظهر نتائجها مع نهاية الصيف وبدء موسم المدارس.
في هذا السياق يقول منير مرداس (يملك بيوتا للإيجار) لـ«السفير»: «نعتمد على ايجارات الصيف لتأمين مصاريف العام مع غياب فرص العمل»، مؤكدا أن «هذه المشكلة تطاول الطبقات الوسطى، حتى أن بعض المغتربين الذين بنوا قصورا وفيلات واستقروا في لبنان يعتمدون على تأجير قصورهم». ويوضح أن «إيجار أحد القصور لأسبوعين كان يصل الى نحو 30 ألف دولار»، و«أصحاب هذه الفيلات اضطروا لتأجيرها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وتضرر مصالحهم».
فيما يشير فادي نصر (موظف ويملك أكثر من بيت للإيجار) إلى أن راتبه لا يكفيه لتأمين مستلزمات التدفئة وتكاليف المدارس، ويقول لـ«السفير»: «لدي ثلاث شقق كنت أؤجرها لعائلات خليجية، وتؤمن لي اكتفاء ذاتيا، فيما اليوم لم يطرق بابي أحد طالبا استئجار شقة لا من الخليجيين ولا من اللبنانيين».
«مقصد العائلات الارستقراطية»
في المتن الأعلى لم يتمكن القطاع الفندقي من النهوض كما كان قبل الحرب الأهلية يوم كانت فنادق فالوغا وحمانا وقرنايل مقصد العائلات الارستقراطية العربية من مصر والعراق وسوريا وبعض دول الخليج، حتى أن المتن كانت مصيف بعض الرؤساء العرب، إلا أن البعض بادر إلى إعادة ترميم وتأهيل هذه الفنادق، فيما ثمة فنادق لا تزال ماثلة كأبنية شبه مهدمة.
لويس الرامي (صاحب فندق في بلدة فالوغا – خلوات فالوغا) يبادر قائلاً لـ«السفير»: «لا حجوزات حتى الآن، ولا نتوقع حجوزات نهائيا هذا الصيف»، لافتاً الانتباه إلى أن «معاناتنا مستمرة منذ العام 2011، وهي تطاول الفنادق والمؤسسات السياحية كافة في المتن الأعلى»، منوها بأن «المنطقة لم تستفد من وجود العائلات السورية من الطبقات الوسطى التي آثرت الاستئجار في كسروان وبيروت».
ويشير الرامي إلى أنه «إزاء هذا الوضع القائم لا نملك خيارا للاستمرار إلا بيع بعض ما نملك من أراض، إذ لا أحد ينظر الى معاناتنا، والمصارف التي استدنا منها لإعادة تأهيل وترميم الفندق، لم تساعدنا في جدولة الديون، وهي تضغط علينا، وهذا حقها»، ويعتبر أن «المشكلة ستظل ماثلة، لأن السياحة والاقتصاد مرتبطان بالسياسة والأمن، ولا أحد يهتم بمستقبل لبنان ومصير أبنائه».
وإذ يذكّر بأن «سنة 2009 كانت الأهم كنسبة تشغيل للمؤسسات السياحية»، يقول: «لا موسم ولا حجوزات ولا ثمة من يرتاد الفندق، ولا نملك إلا الانتظار».
في المقابل، يقول أحد المسؤولين في مجمع سياحي أشيد قبل نحو عشر سنوات: «كمجمع سياحي لم نتأثر كثيرا بعدم مجيء الخليجيين، لأن زبائننا هم من اللبنانيين»، ويشير إلى أنه «مع وجود المغتربين والسياح تكون نسبة التشغيل أكبر»، ولكنه يؤكد «اننا لا يمكن أن نحدد نسبة الحجوزات قبل نهاية الشهر الجاري».
تراكم الخسائر
واتبعت المجالس البلدية في السنوات الماضية تقليدا سنوياً لجهة إقامة مهرجانات الصيف والمعارض التجارية، إلا أن الخسائر التي تكبدتها في العامين الماضيين دفعتها لوقف هذه الأنشطة.
ويكشف رئيس «اتحاد بلديات المتن الاعلى» ورئيس «بلدية القلعة» العميد المتقاعد رياض الاعور لـ«السفير» أن «معرض القلعة السياحي المترافق مع مهرجانات الصيف، لن يقام هذا العام أيضا»، موضحاً أن «الظروف الصعبة حالت منذ الصيف الماضي، دون إطلاق نشاطات ثقافية واقتصادية لعدم مجيء إخواننا الخليجيين».
وبعد أن يشير إلى أن «بعض الجمعيات الأهلية قررت إقامة معارض ونشاطات برغم الظروف الصعبة»، يقول: «كاتحاد بلديات نترك للبلديات حرية القيام بما تراه مناسبا، ونحن نساعدها ضمن إمكانياتنا»، لافتا الانتباه إلى أن بعض البلديات «تكبدت خسائر في الصيف الماضي، ولم تتمكن من رد تكاليف البرامج الفنية». وعلى الرغم من ذلك، يشير إلى أن «بعض البلديات قررت المضي بمهرجاناتها على نطاق ضيق».
وفي بلدة القلعة ثمة 400 وحدة سكنية للخليجيين معظمهم من دولة الكويت قائمة في مجمعات سكنية يتوسطها مسجد، إلا أنه، حسب الأعور، فإن «أحدا لن يأتي هذا الصيف، خصوصا بعد قرار مجلس التعاون الخليجي الذي قضى بمنع الخليجيين من المجيء الى لبنان». ويقول: «تلقيت اتصالات من كثيرين منهم أكدوا استعدادهم للمجيء الى لبنان إذا ما استتب الوضع الأمني»، مضيفا: «نعول على حضور المغتربين من الدول العربية وأميركا واستراليا وكندا».
وفي خطوة تعكس روح التحدي، تؤكد رئيسة «جمعية سيدات رأس المتن» منى غزال أن «الجمعية ماضية في إقامة مهرجان الصنوبر السنوي»، مضيفة: «لن نستسلم للظروف القائمة لأننا نقاوم بالفرح كل هذا الجو الضاغط سياسيا وأمنيا».
أما في ما يتعلق بمهرجان الخزف الدولي، فتشير غزال إلى اننا «ننتظر ما إذا كان سيتمكن بعض الفنانين العرب والأجانب من المجيء إلى لبنان لإعلان التحضيرات اللازمة».
ويبدو أن المشهد عينه في مختلف قرى وبلدات عاليه والمتن الأعلى، فنادق مقفلة وشوارع مقفرة. وعلمت «السفير» أن بعض الفنادق في محطة بحمدون التي تعتبر مدخل المتن الأعلى قررت «عدم المجازفة بمئة ألف دولار لتأمين طاقم التشغيل لديها»، إلا أن بعض المواطنين شرعوا في التحضير لافتتاح مقاهي الصيف، إذ يؤكد سامي ماضي لـ«السفير» ان «اعتمادنا سيكون على الرواد خلال شهر رمضان المبارك».
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2487&articleId=1313&ChannelId=59936