سابين الحاج
المصدر: الجمهورية
سميرة تزوّجت، ربّت عائلة وتزوّج أبناؤها. اعتقدت حينها أنها تخلّصت من هموم الحياة ومسؤولياتها وأنها ستمضي آخرة هادئة برفقة زوجها، إلّا أنّ المسؤوليات العائلية عادت لتطاردها من جديد عبر أحفادها. فلم تكد تحلم بأنها ارتاحت حتّى وقعت فوق رأسها مهام مضاعفة.لا يلبث أن يبلغ الولد الـ18 عاماً حتّى يشجعه أهله في الغرب على مغادرة المنزل العائلي والاستقرار بمفرده. فهو بات راشداً ويجب أن يتّكل على نفسه. أما عندنا في الشرق وخصوصاً في لبنان، فيبقى الولد ولداً إلى أن يموت أهله. فحتّى لو بلغت البنت سنّ الخمسين وتزوجت، لن تتردّد في طلب شتّى أنواع الطلبات من أمها العجوز.
وكم من جدة تطبخ يومياً بالدست لإطعام أحفادها بينما يستثمر بناتها الوقت في صالونات التجميل بين الصبغة، تصفيف الشعر، نتف الشوارب، والرجلين… التبرّج وأيضاً التسوّق وارتياد المسابح، وكلّ ذلك لأنّ راحة هذه البنت المتزوجة ومظهرها الخارجي أوّلية، كما أنها اعتادت الكسل ولم تستقل بنفسها يومياً على رغم ارتباطها وانتقالها إلى المنزل الزوجي. البنت تزوجت وباتت مسؤولة عن عائلة إلّا أنها فعلياً لا زالت مراهقة تهوى اللعب والاستمتاع، وتستخفّ بوقت أمها وتستثمره لضمان راحتها الشخصية.
متطلّبات الحياة
لا ننكر أنّ الحياة العصرية باتت تتطلب من المرأة أن تكون أنيقة. فالأناقة واللوك «البريزانتابل» شرط أساس لإيجاد عمل في معظم المجالات. وغالباً ما لا تعمل المرأة فقط بهدف إثبات نفسها وثقل شخصيتها بل بسبب العوز، واضطرارها لأن تكون شريكة أساسية في إعالة عائلتها وسداد المصاريف. إلّا أنّ تحمّلها مسؤوليات إضافية تجاه عائلتها وإشراك الزوج في مساعدتها على التربية بدل الأم وترك الاستعانة بأمها للضرورات القصوى خطوات باتت ملحّة وتستحق الإنجاز.
إتكالية مفرطة
ليست كلّ السيدات مضطرات دائماً الى ترك أطفالهنّ عند جداتهم لملازمة العمل، كما ليست جميع العائلات غير قادرة على تقسيم الأدوار بين الأب والأم والاستعانة بالحضانة للاهتمام بالطفل لحين عودة الثنائي من العمل. وليست كلّ النساء غير قادرات على الطبخ والاهتمام بشؤون العائلة بسبب ضيق الوقت والأعمال المتراكمة خارج المنزل. كثيرات منهنّ تملكن الوقت لوضع طبخة على النار في المساء ولكنهنّ لا يستثمرنه في هذا الإطار بل في سبيل راحتهنّ متكلات على الماما.
كما أنّ الكثير من الآباء قادرون على استثمار وقت إضافي مع الأبناء بعد عودتهم من العمل وذلك لتعليمهم الفروض وتثقيفهم بدل ملازمة النادي الرياضي لنفخ العضلات أو تنفيخ أركيلة على البلكون بعد الظهر، ولكنهم يتّكلون على الزوجة التي تتّكل على الماما. وهكذا دواليك فحلقة الاتكال لا تصبّ سوى على رأس الجدة في حال لم تبادر هذه الأخيرة إلى وضع بعض الحدود.
وعادة ما تترك الجدات هذا الوضع الاتّكالي على حاله ويتحمّلن بصمت أو مطلقات بعض «النق» الذي يتمّ تجاهله من قبل الأبناء. وفي هذا الإطار يجب إعادة النظر بالتركيبة الاجتماعية والنفسية التي أوصلت بعض الجدات إلى حالة تعصيب وجنون وضغط لا متناه بسبب أبنائهم وأحفادهم. فتخيّلوا هذه العجوز، وهي على حافة قبرها مضطرة الى تربية أبناء ابنتها التي تترك لها طفلاً رضيعاً وآخر لا يتجاوز عمره السنتين كلّ صباح لتلازم عملها.
منذ أن تزوجت فيفيان، لم تغيّر سوى جرّة غاز واحدة في بيتها خلال 3 سنوات. تأكل عند أمها وحماتها علماً أنها لم تنجب الأولاد حتّى الآن. هي فقط تلازم عملها لبضع ساعات يومياً وتعود إلى منزلها، ولا رغبة لديها في الطبخ والأعمال المنزلية. فعدا عملها في الشركة حيث تداوم لا تفعل شيئاً.
وبدورها تكره نتالي الأعمال المنزلية ولا تهوى تربية الأبناء، إلّا أنّها وقعت في غرام شادي وتزوجته. أنجبت نتالي طفلين وبعد مرور 10 أعوام على زواجها لازالت لا تجيد تحضير أسهل الطبخات، كما أنها لا تحسن غسل الخضار حتّى!
وتسأل أسخف الأسئلة لوالدتها طالبةً النجدة في كلّ مفاصل الحياة، مثلاً: «ماما اشتريت فجل كيف بغسّلن؟»!. هي ترمي بأعباء جهلها المتطوّر على أمها في ما خصّ تحضير الأكل وتربية الأطفال على حدٍّ سواء، إذ يمضي الصغار وقتاً مع الجدة أكثر من الوقت الذي يمضونه مع الأم.
وعندما تتدخل جوزفين لإعطاء الرضيع المياه على رغم توجيهات الطبيب بمنحه الحليب فقط في الأشهر الستة الأولى من حياته، تعترض ابنتها نتالي بكلّ خفّة ومن دون تفسير: «ما خصك هيدا ابني وأنا بعرف شو طعمي».