عندما جلس عادل كرم على كرسي تقديم برنامج «هيدا حكي»، تغيّرت خلفية الصورة (Background) بالنسبة للمشاهد الذي اعتاد رؤية ذلك الوجه في كادرات تتمشّى على سلالم الأشرفية وأمام الأبواب الخضراء المتواضعة وتطلّ من على سطوح المنازل على الأحياء الشعبية.
لكنّ الاستديو الجديد خلق حاجزاً بين كرم ومتتبعيه الشباب، حاجز لم تكسره إلّا كاريزما هذا الكوميدي الذي دخل قلب المشاهد الذي ينتمي إلى تلك الجغرافيا البصرية.
حلّق عادل كرم عالياً في فضاء الكوميديا الحديثة حتى بات بعيداً عن متناول غالبية الكوميديين اللبنانيين، سواء من ناحية الأداء أو من ناحية الجماهيرية، فلم يتمكّن أحد سواه من تبنّي لغة الشارع اللفظية والجسدية وترجمتها بتفاصيلها طوال سنوات أمام الكاميرا، حتى أصبح بطل الشباب الذين يردّدون تعابيره ويستنسخون حركاته. لكنّ عزقات وبراغي الكاريزما وحدها لا تكفي لتثبيت كرسي مقدّم «هيدا حكي» في مكانها.
فبعد انطلاق الموسم الأول، تسمّر الجميع أمام الشاشة لمتابعة ذاك الذي لم يخن ضحكاتهم، متوقعين، لا بل متأكدين من حصولهم على جرعات جديدة من المرح في برنامجه الجديد.
وتوالت الحلقات وتكشّفت الفقرات، وكان أداء كرم على قدر التوقعات... لكن اتّضح أنّ نكتة الاستديو أصعب بكثير من نكتة السكتش، وسرعان ما وقع البرنامج ومضيفه في فخ الروتين الإعلامي الذي دفعهما للاستعانة بالمزيد من الدعائم، فتلبنَن البرنامج وبدأ الاعتماد أكثر وأكثر على ضيوفه، وتحوّل من برنامج نقد كوميدي لكافة أوجه مجتمعنا إلى شبه برنامج دعائي لآخر إصدارات ضيوفه الفنيّة ومواقفهم السياسية.
كانت مشكلة البرنامج وما زالت تتلطّى خلف قلّة الحرفية في إعداد فقرات «هيدا حكي» وفي ضبط نصوص عادل كرم سواء الموجّهة مباشرة إلى المشاهد أو الأسئلة التي يتمّ طرحها على الضيوف.
وكلّ الذين كانوا مبهورين الموسم الماضي بالبرنامج، بدأوا يتساءلون هذا العام عن التراجع في أسلوب عادل كرم والخلل في حواراته مع ضيوفه وطريقة طرحه الأسئلة. وفعلياً، ليس هناك أي تراجع في أداء كرم، وإنما ليس هناك تقدّم فعلي، ومن المفروض على عادل كرم التركيز أكثر على أدائه الإعلامي والتدرّب أكثر على قراءة «البرومبتر» ليكون الأسلوب أكثر إقناعاً.
عادل كرم دخل القلوب من دون استئذان بفِعل موهبة فطرية وفّرت له النجاح طوال عشرات السنوات، وهو لن يخرج منها بسهولة لأنّ أسلوبه كان دوماً حقيقياً... لكنّ إدارة واحد من أهم البرامج التلفزيونية اللبنانية لا يمكن أن تقتصر فقط على نكتة مصطنعة، بل تحتاج أكثر إلى دهاء إعلامي وحواري يؤكّد أكثر على هوية «هيدا حكي» ويمنحه المزيد من التجانس حفاظاً على شخصية عادل كرم الذي بدأ يتّجه إلى منزلق خطر، فتوَجّب التنبيه من التزحيط.