داني حداد
حين نفتّش عن عامل وحدة بين اللبنانيّين، يصعب أن نعثر على سياسيّ يُجمعون عليه كما على أديبٍ أو فنّان يتوحّدون حوله، في وقتٍ نشهد "موضة" زيارات الفنّانين الى السياسيّين، إعلاناً للدعم والتأييد. وحده اسم فيروز يوحّد ويخترق المذاهب والأحزاب والتيّارات، من دون أن تنجح تصريحات نجلها الفنّان زياد الرحباني في تلويث هذه "الصورة".
حين تستيقظ من النوم، عليك أن تغسل وجهك بالماء وروحك بصوت فيروز. هي الوجه الجميل لهذه الجمهوريّة الملوّثة سياسيّاً وإداريّاً وبيئيّاً. هي التي تبقينا أحياء في وطنٍ نموت فيه من زحمة السير، وفيضانات الطرقات، وقطع الدروب من قبل معتصمين غاضبين، لألف سبب، على الدولة... هي التي تجعلنا نمكث في هذا الوطن، متحدّين إغراءات الهجرة، وهي التي تعيدنا إليه لأنّ أغنياتها تصنع الحنين، ولو الى بلدٍ لم يخرج من الأغنية الى أرض الواقع. وإذا كان للدول نشيد وطني يرمز إليها فإنّ كلّ أغنية لفيروز نشيد وطنيّ. وإذا كان سياسيّو لبنان، بغالبيّتهم الساحقة، يجعلوننا نخجل من انتمائنا الى هذا البلد، فإنّ صوتها وأغنياتها من بين قلّة تجعلنا نفخر بهذا الانتماء.
ليست مطربة فيروز ولا يجوز أبداً تصنيفها كذلك. هي قيمة، ولكنّ "ملائكيّتها" هذه يمكن أن تتحوّل الى جرم! كم من لبنانيّ أضاع فرصة عمل في الخارج لأنّ وطنيّته المجبولة بصوت فيروز ألزمته البقاء في "وطن الأرز". وكم من لبنانيّ أعادته "خدني زرعني بأرض لبنان" من غربته الى أرض الوطن، فأصيب بالخيبة.
حين تستيقظ من النوم، عليك أن تغسل وجهك بالماء وروحك بصوت فيروز. على أمل أن نستيقظ على وطنٍ نغسل فيه ذنوبنا وحقدنا وطائفيّتنا، ويصبح لبنان الرحابنة وفيروز واقعاً نعيشه لا قصيدة مغنّاة...