جو شاب في الثلاثين من العمر، نادراً ما تراه هادئاً هانئاً، إذ ما يلبث أن يهبّ وينفعل لأتفهِ الأسباب. يتجنّبه الجميع خوفاً من الانعكاسات الصحّية عليه. هو يعاني من ألمٍ شِبه دائم في الرأس، ضغط دم مرتفع، وعصبية شديدة. «ما فيكْ تعيش بهالبلد بلا ما يكون عندك ضغط وسكّري، تعب وقلق وما بتلحِّق عا مسؤولياتك وواجباتك»، يقول جو.
هل نحن ضعفاء أمام التوتّر والضغط النفسي؟ هل فعلاً لا بدّ منهما؟ كيف نتعامل معهما كي لا نكون ضحايا أمراض نفسية وجسدية، على رغم الصعوبات الحياتية التي تُواجهنا؟
التوتّر والضغط النفسي مشكلة العصر. شعور بالقلق وعدم الراحة حتّى في أوقات الفرح والتسلية. رُبع الشعب اللبناني يعاني من التوتّر النفسي، والأسوأ هو أنّنا نتعايش ونتأقلم مع هذا الضغط. كيف لا؟ وكلّ ما يحيط بنا يَنقلنا إلى هذه الحال. ويعتقد الكثيرون منّا أنّ قوّتهم تكمن في القدرة على الاستمرار في العيش تحت وطأة كلّ ذلك الألم النفسي الذي ينعكس وبسرعة فائقة ألماً جسدياً خطيراً قد يودي بحياتنا.
عندما يرتفع هورمون الكورتيزول تتزايد دقّات القلب، تتقلّص الأوردة الدموية، تصعب عملية التنفّس، ما يَجعلنا نحتاج للمزيد من الأوكسيجين.
زحمة السير، مشكلة عادية مع الشريك، مواجهة أيّ صعوبة في العمل تُسبّب لنا التوتر الذي ينقلنا إلى مشاعر جسدية كارتفاع ضغط الدم، آلام في الرأس، بالإضافة إلى مشاكل نفسية كالاكتئاب واضطرابات الهلع والقلق. كما قد يتسبّب القلق والتوتر بمشاكل جسدية أخرى مِثل الربو، اضطراب النوم والشهية والحساسية الجلدية وغير ذلك.
باستطاعة الإنسان أن يتفاعل مع التوتّر والضغوطات بطريقة إيجابية من خلال التنفّس والإسترخاء وطرق أخرى سنُعدّدها تباعاً، تُخفّف من حاجة الجسم الزائدة للأوكسيجين وتُخفّف من الأعراض الصحية الناتجة عن التوتّر والقلق. وفي الحالات المتقدّمة لا بدّ مِن مراجعة الطبيب والمعالج النفسي طلباً للمساعدة.
المشي لمدّة 10 دقائق
السير في الطبيعة الخضراء أو على شاطئ البحر يساهم في إفراز الأندورفين، ما يضع الجسم في حالة من التأمّل والاسترخاء والراحة. كما أنّ إضافة النباتات والورود حيث نمضي معظم أوقاتنا يُنقّي النفس والهواء ويُضفي علينا شعوراً بالسلام والهدوء.
النفَس العميق
للتنفّس قدرة خارقة مؤثّرة إيجابياً على الجسم البشري. وتساعد تمارين التنفّس العميق على الاسترخاء كما تُخفّف الشعور بالقلق والضغط النفسي إلى أدنى مستوياته، وذلك بسبب كمّية الأوكسيجين التي تدخل الجسم، وتُشعرنا بالهدوء.
التخيّل
يساهم تخيُّل الأمور الجميلة التي تُسعدنا، في إعادة التركيز، فيُشعِرنا تصوُّر أنّنا في رحلة استجمام، أو أنّنا حققنا حلماً طال انتظاره، براحة وهدوء واسترخاء جسدي ونفسي.
تناوُل الطعام
يُنصَح بتناول الموز والبطاطا في حالات التوتّر، بسبب احتوائهما على البوتاسيوم. كما أنّ الشعور بالجوع أثناء التوتّر يزيدنا قلقاً، لذلك لا بأس بتناول الطعام في هذه الحال، لنَشعر بالاكتفاء. ويُستحسَن التركيز على طعمِ ما نأكل وشكلِه ولونِه، والتلذّذ به، بعيداً عن المكان المسبّب للتوتر، كالمكتب مثلاً.
كما يُنصَح بتناوُل شيء من الحلوى في فترات الضغط، ما يساهم في خفض مستوى التوتّر، لكن علينا الانتباه لنوعية وكمّية ما نأكل بهدف السيطرة على القلق والتوتّر، كي لا يتحوّلَ الطعام بدوره مسبّباً للقلق عن طريق الشعور بالذنب خوفاً من اكتساب الوزن غير المرغوب فيه.
التسلية والمرَح والضحك
ما يُخفّف الشعور بالضغط النفسي والتوتّر، ويُضعِف التركيز على مسبّبات ذلك، وينقلنا إلى حالة من التسلية والرفاهية والفرح، ويزيد من مستوى الأوكسيجين، ما ينشّط القلب والرئتين والعضلات. قد تكون مشاهدة الأفلام من المحفّزات على الوصول إلى هذه الحالة. كما أنّ تبادُل تعابير الحب والود، بالإضافة إلى احتضان من نحب، قد يقضي على الشعور بالتوتّر من خلال رفعِ مستوى الأندورفين في الدماغ.
الموسيقى والأعمال الفنّية
يُخفّف سماع الموسيقى من مستوى ضغط الدم، ومستوى هورمون التوتّر، وليس بالضروري أن تكون الموسيقى كلاسيكية كما يظنّ البعض، بل الموسيقى المفضّلة للفرد. كما أنّ اللعب أو العزف على آلة موسيقية يساهم بشكل كبير بالراحة النفسية، وأيضاً الأعمال اليدوية والفنّية التي تقوم على التكرار، كالحياكة والخياطة والرسم، تُخفّف من حدّة القلق. كذلك تكرار وترداد الكلام كالغناء والحركات الرياضية.
الاسترخاء
الاسترخاء هو المرتجى للتخلّص من الضغط النفسي والتوتّر. يمكننا القيام بتمارين الاسترخاء من أسفل القدمين وصولاً إلى عضلات الوجه، وذلك من خلال شدِّ العضل ثمّ إرخائه تماماً، قد يبدو هذا التمرين سخيفاً إلّا أنه مفيد جداً.
تجنُّب مسبّبات التوتّر
يُنصَح بالابتعاد عن الأجهزة والكتب، ومسبّبات الضغط النفسي المباشرة. العلاقة وثيقة بين البقاء لوقتٍ طويل أمام جهاز الكومبيوتر وفي حضرة الكتب المدرسية والشعور بالتوتّر واضطرابات النوم والاكتئاب. لذلك يُنصح بأخذ قسطٍ من الراحة والتوقّف عن العمل أو الدرس بين وقتٍ وآخر، والانقطاع عن ذلك تماماً ساعةً قبل الخلود إلى النوم. كما يتسبّب الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي بالقلق الشديد، إذ يتطلّبان منّا البقاءَ في حالة من الترقّب والانتظار، ما يزيد من حدّة المجهود والتعب.
ولتجنّبِ الوقوع في التوتّر، لا بدّ من تنمية قدرتنا على التأقلم مع الواقع، وتَقبُّل التغيير، وخصوصاً القبول بالخسارة، والقبول بأنّه مسموح لنا بأن نخطئ، وبأنّه لا بأس بالفشل «ما حدا كامِل». في حال عدم القدرة على ذلك، يساعدنا أشخاص متخصّصون في عِلم النفس، وذلك عن طريق العلاج السلوكي المعرفي، من خلال حسن إدارة الوقت، السيطرة على العواطف والانفعالات والتحكّم بها، والإيجابية في رؤية الواقع المُعاش والتعاطي معه.
ساسيليا دومط - جريدة الجمهورية