نوال الأشقر
واجه القطاع العقاري في لبنان ركوداً وتراجعاً في حجم المبيعات في السنوات الماضية، بدءاً من العام 2011 وحتى اليوم، بالتزامن مع اندلاع الأزمة السورية التي ألقت بتداعياتها السلبية على أمن لبنان واستقراره، وعلى واقعه السياسي والاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى انكفاء المستثمر العربي وتحديداً الخليجي، كما أن الأثرياء من النازحين السوريين لم يحدثوا فرقاً في سوق العقارات، نتيجة انحسار حركتهم بانعاش الفنادق والشقق المفروشة.
الطلب العقاري لعام 2014 كان أفضل مقارنة بالمعدلات السابقة خلال عامي 2012-2013، حيث طبع الجمود أسعار العقارات، وأدى إلى انخفاض ملموس في أسعار الشقق، بلغ أكثر من 5 في المئة، لكون حجم العرض على الشقق لم يقابله طلب مقبول.
هل يستمر التباطؤ في الطلب خلال العام 2015، وهل الفترة الحالية تعد مرحلة ذهبية لشراء عقار؟ وإلى أي مدى "يتحالف" الجمود في سوق العقارات من جهة، مع انخفاض أسعار المحروقات وبالتالي أسعار المواد الأولية في البناء، واستمرار الأزمات المحلية والإقليمية من جهة ثانية ، ليشكلوا وقتاً مناسباً للبناني ليمتلك منزل الأحلام؟
الخبير العقاري والمدير التنفيذي لشركة "رامكو" للإستثمارات العقارية رجا مكارم لا يوافق على توصيف الواقع العقاري اللبناني بأنه يعيش أزمة، وفي حديث لـ "لبنان 24" يقول "لا أزمة عقارية في لبنان، بل تباطؤ كبير، ولكن الواقع العقاري يبقى أفضل من الوضعين الأمني والسياسي في البلد. وعلى رغم التراجع الذي طبع العام 2014، استمر الطلب على العقارات في بيروت، ولاسيما الأراضي، حيث أن وتيرة بيع الأراضي سجلت ارتفاعاً بلغ 15%، في مقابل انخفاض الطلب عل الشقق بنسبة 15 %، وما لفت نظرنا هو انخفاض قطاع المحال التجارية بحدود تراوحت بين 25 و 30 % "، وبالتالي يستخلص الخبير العقاري حقيقة مفادها أن الوضع العقاري الحالي هو الأفضل للبناني اليوم ليمتلك شقة بأفضل الأسعار.
أسباب الجمود في القطاع العقاري يردها الخبير العقاري إلى جملة معطيات، أبرزها :
- الإرتدادات السلبية للأزمة السورية على الوضعين السياسي والإقتصادي في لبنان.
- هروب المستثمر الأجنبي، وتدني لا بل انقطاع الطلب الخليجي على شراء الشقق والأراضي.
- النازحون السوريون لم يحدثوا فرقاً في السوق العقاري، لأن الأثرياء منهم اشتروا في فترة سابقة، والطبقة المتوسطة استأجرت شققاً أو نزلت في الفنادق .
- توقع ارتفاع أسعار الشقق وعدم اضطرار مالكي العقارات للبيع بأثمان منخفضة.
مكارم توقع أن يبقى السوق العقاري على حاله في العام الحالي فيما لو استمرت الأوضاع السياسية والأمنية السائدة، أما إذا تحسنت الأوضاع فإن السوق العقاري سيتحسن، قائلا: "نحن مستغربون ومتعجبون بوجود طلب على العقارات في الظروف السيئة التي يعيشها لبنان، وأي تطور ايجابي في السياسة سيحرك الإقتصاد نحو الأفضل، فإذا أنتج الحوار حلاً ما أو تسوية للوضع الراهن، وإذا ما تم انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، فمن شأن ذلك أن ينعش الواقع العقاري، حتى مع استمرار الأزمات الإقليمية. كما أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب ورفع القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني أيضاً من شأنه أن يشكل عاملاً ايجابياً لإعادة تحريك السوق العقاري" .
فورة عقارية
وفي إضاءة على الواقع العقاري خلال السنوات الماضية، يشير مكارم إلى فورة عقارية شهدها القطاع طيلة الأعوام 2007- 2008 - 2009 و2010 ، حيث ارتفعت سوق العقارات بنسبة 25% . ولكن في العام 2011 ومع بداية الأزمة السورية، شهد القطاع تراجعاً ملموساً ولكن من دون أن يشهد انهيارا، وهذا الامر بحد ذاته يشكل منطلقاً ايجابياً، لأن الأزمات المتتالية لم تستطع أن تجمد هذا القطاع الحيوي في لبنان، الذي استمر حتى بغياب الطلب الخليجي . ان حجم القطاع العقاري في لبنان تراوح بين ال 10 و14 مليار دولار، والمشاريع قيد الإنشاء بقيت على حالها مسجلة 8 مليارات دولار تقريباً، من دون أن يعني ذلك ان هذا الرقم يشكل حجم القطاع العقاري بمجمله.
ويضيف مكارم أن مساحة الشقق قيد الإنشاء بلغت بين عامي 2009 و 2012 مليوني وتسعمئة ألف متر سكني، أي عشرة الآف وحدة سكنية، بمعدل 300 متر للشقة الواحدة، بلغ حجم المباع منهم 58% وهي نسبة عالية، في حين بلغ مجموع الشقق غير المباعة أواخر العام 2012 نحو 3800 وحدة سكنية ، بمجموع مليون و200 ألف متر وبقيمة ستة مليار و800 مليون دولار، وهي نسبة ليست مرتفعة، وهذا يعني أن المشاريع السكنية قيد الإنشاء بلغت حوالي 14 مليار دولار.
ويقول مكارم ان انخفاض أسعار المحروقات وما يتبعه من انخفاض أسعار مواد البناء لا ينعكس انخفاضاً في أسعار الشقق، لان أصحاب المشاريع يستوعبون هذه التخفيضات لصالح زيادة أرباحهم وتعويض ارتفاع أسعار الأراضي.
في الختام فإن مصائب قوم عند قوم فوائد، اذ ان استقرار أسعار الشقق مقرونة بالتسهيلات المصرفية تشكل فرصة ذهبية للبنانيين من ذوي الطبقة المتوسطة، ولا سيما المغتربين منهم، لاغتنام الفرصة وتملك شقة، قبل أن تعاود الأسعار ارتفاعها مع انفراج سياسي مأمول، بعدما ثبُت أن الإستثمار العقاري في لبنان هو أفضل استثمارعلى الأطلاق، والأكثر جذباً للاستثمارات المحلية والعربية والاجنبية ، كما أن مستقبل هذا القطاع واعد.
("لبنان 24")