جنى جبور - بعد أن أصبحت زحمة السير الخبز اليومي لكلّ لبناني، بدأ المواطنون يسألون ويستفسرون ويحمّلون التطبيقات الذكية لمعرفة حال الطرقات والبحث عن تلك الخالية من الازدحام ليرتادوها. ولكن ما رأيكم أنه بالاضافة إلى الوقت الضائع والمشكلات النفسية التي تسبّبها الزحمة، فإنها تُعتبر المسؤولة عن بعض المشكلات العضوية. فما هي علاقتها بأمراض القلب؟
زحمة السير هي واحدة من المشكلات العالمية وليس فقط المحلية، وهي السبب لكثير من المشكلات على الصعيدين النفسي والجسدي، وبعد أن ارتفعت نسبتها في لبنان لأسباب متعدّدة في الفترة الاخيرة، اتّضح أنّ المردودات السلبية لا تقتصر على التوتّر الذي يُعرقل الراحة النفسية للمرء طول فترة اليوم، بل تتخطّاه لتشمل مشكلات عضوية أخرى، لاسيما على مستوى القلب.
في هذا السياق، كان لـ»الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في أمراض القلب والشرايين الدكتور ايلي صقر الذي قال: «يخرج من عادم السيارة (Echappement) خلال زحمة السير أوّل اوكسيد الكاربون (carbon monoxide) الذي يخرق جسم الانسان ويستقرّ على خلاياه مكان الاوكسيجين مسبّباً عدداً من العوارض التي يمكن أن تكون مضاعفاتها قاتلة. كما أنّه لا يحمل أيَّ شكل أو رائحة أو لون وبالتالي لا يمكن للشخص رؤيته أو الحدّ منه أو الشعور بتنشّقه».
الموت الفوري
20ألف شخص في الولايات المتحدة يدخلون سنوياً الى طوارىء المستشفيات بسبب التسمّم من أول اوكسيد الكاربون، ورغم غياب الإحصاءات في لبنان، إلّا أنّ عيادات الاطباء وطوارئ المستشفيات كفيلة بكشف أنّ نسبة اللبنانيين الذي يعانون من هذا الموضوع ليست بسيطة أبداً، خصوصاً مع الارتفاع الجدّي للإصابة بأمراض القلب بين اللبنانيين.
ويوضح د. صقر أنه «عند استقرار أوّل اوكسيد الكاربون على الخلايا مكان الاوكسيجين، يسبّب عدداً من العوارض على جسم الانسان، لا سيما التعب والارتخاء وعدم التركيز والدوخة، حتّى أنّه يمكن أن يحدّ من حركة الانسان، وبالتالي يؤثّر على القلب لأنه يمنع عمله كما يجب.
أمّا الخطر الأكبر في هذا الموضوع، فيقع على الأشخاص الذين يركنون سياراتهم في مرآب مقفل، وعند إدارتها وتحضيرها للإقلاع، عندها ترتفع نسبة أول اوكسيد الكربون في المرآب ويصبح قادراً على شلّ خلايا الجسم بالكامل ما يسبّب الموت الفوري، وقد حصلت حوادث من هذا النوع فعلاً في لبنان».
تراجع عمل القلب
يتخلّص جسم الإنسان من العوارض التي ذكرت آنفاً عند استنشاق الهواء النظيف في بيئة غير ملوّثة، ما يُعتبر أمراً شبه مستحيل في لبنان لا سيما مع كل التلوّث الموجود. فما هي المضاعفات المحتملة؟
يجيب د. صقر: «لا ترحم زحمة السير أيَّ مواطن لبناني، ما يعرّضه بشكل مستمرّ الى العوارض الصحية التي ذكرناها، ويسبّب هذا التكرار مشكلات جدّية على مستوى الرئة وعضلة القلب. كما أنّ الضعف في عضلة القلب مسؤول عن ضعف صحّة الانسان بشكل عام، ما يسبّب له بعض المضاعفات كالتورّم في الرجلين والإرهاق الشديد وعدم القدرة على النوم بشكل جيدّ جرّاء ضيق في التنفّس، اضافةً الى احتباس الماء في الرجلين والبطن بسبب عدم ضخّ الدمّ بشكل مناسب».
كُثر منّا يصلون الى وجهتهم وهم يعانون حال تعب شديدة دون حتّى معرفة السبب، الّا أنّ التعرّض للتلوّث الناتج بشكل اساسي عن الزحمة هو المسؤول الاول، وبحسب د. صقر: «من المهمّ جدّاً توجّه المريض الى الطبيب عند شعوره بهذه العوارض أو المضاعفات بهدف فحص قلبه بواسطة الموجات فوق الصوتية (Échographie)، للكشف عن صحة القلب وعمله».
وقاية شبه مستحيلة
عدد من النصائح المفيدة يمكن أن تخفف من وطأة أضرار الدخان المتصاعد من زحمة السيارات في لبنان، الّا أنّ تطبيقها شبه مستحيل في ظلّ الأوضاع الراهنة في البلاد، فجميعنا يعلم أنّ التلوّث على أنواعه موجود بنسب مرتفعة جدّاً وهو كفيل بقضّ مضجعنا والتسبّب لنا بالموت البطيء، الّا أننا سائرون على مقولة «يا غافل إلك الله».
• إذاً، ما هي التوصيات الطبّية الوقائية في هذا الموضوع؟
يختم د. صقر قائلاً: «عالمياً، يحاول بعض البلدان التخفيف من مضاعفات الزحمة على حياة الإنسان من خلال وضع الفلاتر على عوادم السيارات لفلترة أول اوكسيد الكاربون، مع امكانية وضعها ايضاً في المنازل لفتلرة الهواء من التلوّث.
ونأمل أن تصل هذه الفلاتر الى لبنان، وعسى أن يلتزم المواطنون يوماً ما التنقل بواسطة النقل العام للتخفيف من الدخان والتلوّث أو على دراجاتهم الهوائية مثلاً، وأن تُنشئ الدولة القطارات التي تسهّل هذه المعادلة ايضاً».
الجمهورية