في الوقت الذي تكثر فيه المخاوف حول تعقب بيانات مستخدمي الإنترنت والمنصات الإلكترونية المختلفة بما يهدد خصوصيتهم، وفي حين لا يزال الجدل مستمرًا بشأن أحقية شركات التكنولوجيا في توظيف بيانات عملائها واستخدامها بشكل تجاري، يتجه العالم نحو حقبة جديدة من الجنون التقني، حيث ستكون كل المعلومات المتعلقة بالأشخاص مزروعة أسفل كف يدهم، بفضل حبة أرز فائقة التقنية.
الشرائح الإلكترونية المتناهية الصغر، التي يمكن زراعتها أسفل الجلد، تشكل فرصة واعدة للعالم، خاصة في مجال المعاملات المالية، فبدلاً من البطاقات البلاستيكية المعتادة، سيكون على المرء فقط تمرير يده فوق الماسح الضوئي فقط لإتمام المعاملة، وكذلك عند تلقي الراتب الشهري، أو سداد مقابل السلع والخدمات، حيث ستحتوي هذه الشرائح على بيانات شخصية ومالية حول الشخص الذي زُرعت بيده.
ورغم السباق الذي تخوضه شركات التكنولوجيا حول العالم لتطوير واحتضان هذه التقنية، تعد السويد من أبرز البلدان الرائدة في هذا الصدد، ولديها شركات متخصصة ذات سمعة عالمية تعمل على إنجاح هذه الصناعة، كما أن عدداً من مواطنيها أقدموا بالفعل على زراعة تلك الشرائح بغرض إتمام عدد من المهام التقليدية بطرق أيسر. في حُزيران عام 2017، أعلنت «إس جيه» السويدية الحكومية لتشغيل القطارات، أنها أول شركة في العالم توفر خاصية الدفع عبر الرقاقات الإلكترونية المزروعة في أيدي المسافرين، والذي سيطلب منهم مد يدهم لعامل التذاكر كي يقوم بتمرير الماسح الضوئي أو الجوال لإتمام عملية حجز المقعد وسداد المقابل على الفور، والآن لدى الشركة 800 عميل يستخدمون هذه التقنية.
وفي الشهر التالي، قالت شركة ثري سكوير ماركيت الأميركية للبرمجة، إنها ستصبح أول شركة في اميركا تزرع رقائق مماثلة في أيدي موظفيها بغرض حفظ البيانات وإنجاز بعض المعاملات والمهام، مثل الدفع للحصول على الطعام والشراب في غرفة الاستراحة، وفتح الأبواب الإلكترونية، وتسجيل الدخول إلى الحواسيب، واستخدام الطابعة أو الهاتف. واشارت الشركة الأميركية إلى أن هذه الرقاقة التي ستزرع بين الإبهام والسبابة، ستزود بتقنية «التواصل قرب المدى» المتوافرة في بطاقات الائتمان وخدمات الدفع عبر الجوال، متوقعة اتساع نطاق استخدام هذه التقنية ليشمل وسائل النقل وتسوية جميع معاملات الدفع، مشيرة إلى أنها ستصبح جواز السفر المستقبلي.
وبحلول أيَّار الماضي، أفادت وسائل أنباء عدة، بإقبال الآلاف من السويديين على زراعة الرقائق الفائقة الصغر في أجسادهم، حتى يتخلوا عن حمل بطاقات المعاملات المالية والبطاقات التعريفية وحتى تذاكر وسائل المواصلات. وتهيمن شركة بايوهكس إنترناشونال على سوق الرقائق الإلكترونية القابلة للزراعة البشرية، وانطلقت أعمالها منذ خمسة أعوام بالتحديد على يد جوان أوسترلوند، وهو متخصص سابق في عمليات ثقب الجلد.
وأمضى أوسترلوند العامين الماضيين يعمل بدوام كامل على إحياء المشروع، وحاليًا يعكف على تطوير مواد تدريبية حتى يتمكن من تعيين الأطباء والممرضات السويديين للمساعدة في تحمل بعض أعباء العمل الثقيلة التي تحتاج لخلفية طبية.
عن الشريحة الإلكترونية بجانب دورها، في تسريع الروتين اليومي للمستخدمين وجعل حياتهم أكثر سهولة، أثناء الدخول إلى منازلهم أو مكاتبهم أو الصالات الرياضية، يمكن الاعتماد على الشرائح الإلكترونية في تخزين بيانات الاتصال في حالات الطوارئ، أو بيانات حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وتتساوى الشريحة مع حبة الأرز في الحجم تقريبًا، ويتم إدخالها تحت الجلد وفوق الإبهام تحديدًا، باستخدام حقنة شبيهة بتلك المستخدمة في إعطاء اللقاحات، ووصل سعرها إلى نحو 180 دولارًا في السويد، بحسب شبكة «إن بي آر».
وفي السويد، ساعدت هذه الرقائق على استبدال الحاجة لعدد من الأدوات اليومية، وعلى سبيل المثال تقول أولريكا سيسينغ البالغة من العمر 28 عاماً، إنه بفضل الشريحة التي وضعت في يدها لم يعد عليها حمل بطاقة الصالة الرياضية أو البطاقة التي تفتح بها باب مكتبها، وكل ما عليها فعله هو تمرير يدها بالقرب من صندوق المسح الصغير. وتشبه عملية الزراعة، ثقب الأذن لتعليق القرط، لكن يتبعها حقن للرقاقة داخل يد الشخص، وبحسب أولريكا التي زرعت رقاقتها الخاصة خلال حفل نظمته شركتها، فإنها شعرت بوخزة طفيفة خلال الإجراء بأكمله.
لكن آخرين، أمثال كايلا هيفرنان الباحثة في قسم الحوسبة ونظم المعلومات في كلية الهندسة بجامعة ملبورن، يقولون إن الناس اعتادوا بالفعل على زراعة أدوات وأجهزة في أجسامهم، بحسب موقع «ذا أتلانتيك».
والسويد لم تكن وحدها في احتضان التقنية، ونقلت «يورو نيوز» عن سفين بكير رئيس شركة أيام روبوت قوله إن ما بين ألفي إلى 3500 شخص في ألمانيا زرعوا شرائح إلكترونية دقيقة تحت جلدهم كبديل عن البطاقات الرئيسية المستخدمة في حياتهم اليومية.
الخضوع للرقابة اللصيقة في العاشر من تشرين الثاني، أفادت «التلغراف» بأن شركات بريطانية عدة تسعى لتزويد موظفيها برقائق إلكترونية من أجل تعزيز الأمن ومنعهم من الوصول إلى بعض المناطق المحظور عليهم الدخول إليها.
وبحسب الصحيفة، فإن «بايوهاكس» السويدية، دخلت في محادثات مع عدد من الكيانات القانونية والمالية في بريطانيا لزراعة الشرائح الإلكترونية في أيدي موظفيها، ومن بين العملاء المحتملين، شركة خدمات مالية شهيرة يعمل لديها مئات الآلاف من الموظفين.
لكن السبب الذي تسعى الشركات البريطانية وراءه من حيازة هذه التقنية وزراعتها في أجساد موظفيها، كان هو الأمر الأكثر إثارة للجدل، حيث قال أوسترلند إن هذه الشركات تمتلك وثائق حساسة يتعامل معها الموظفون، لكن بفضل الرقائق سيكون بمقدورها وضع قيود على الأشخاص تمنعهم من الوصول لمثل هذه المستندات. (ارقام)
القبس