تنوّعت اهتمامات مصرف لبنان عام 2012، لكن الجهد الاكبر تركز على جبه الضغوط التي تعرض لها القطاع المصرفي اللبناني، سواء من الداخل حيث شكّل النمو تحديا بحد ذاته انسجاما مع المؤثرات المحلية والاقليمية، او سواء من الخارج البعيد اذ كان لحملة "منظمة الاتحاد ضد ايران نووية" أثر في هامش الاداء المالي والمصرفي للبنان.
منذ مطلع 2012، شكّلت معطيات توفير مناخ تمويلي للاقتصاد هاجس مصرف لبنان الذي جهد في ارساء قواعد الاستقرار النقدي والمصرفي تحقيقا لهذا الهدف، بعدما اضاف اليه همّ البحث في توافر السيولة والاستثمار في البنى التحتية واستخراج النفط والغاز، لان تلك الموضوعات تعزز الثقة بالاقتصاد المحلي. وتحريكا للحركة في الداخل، اوعز حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى المصارف بعدم خفض الفوائد الدائنة "لمنع توجه الودائع الى المصارف في الخارج بدل لبنان"، كما اوصى بعدم التوسع في التسليف الاقليمي بسبب توقعات النمو المتدنية بفعل الانكماش وسياسات التقشف التي تعتمدها الحكومات الاوروبية تحديدا لمعالجة ازمة الديون.
ووفق حاكم المركزي، الاولوية هي لاستقطاب الاموال، مستندا الى ان الثقة بالسوق اللبنانية "جيدة" رغم كون درجة المخاطر السيادية هي B، فيما كلفة الفوائد تعتبر افضل من الدول التي لديها درجة التصنيف عينها. واكد في لقاءات عدة ان المركزي لن يألو جهدا للمحافظة على الثقة لتوفير استمرار التمويل متحملا كلفة هذا الخيار "التي هي اقل بكثير على لبنان من كلفة التخلي عن سياسة الاستقرار والتحكم بالسيولة بغية توفير الاستقرار التسليفي"، علما انه كان يدرك ويقيّم ايجابيا ادارة السيولة لدى المصارف والسياسات المتبعة في خضم التطورات المحلية والاقليمية والعالمية.
في الخلاصة الاقتصادية، يعتبر سلامة ان الوضع في لبنان بقي في العام 2012 مقبولا اقتصاديا وجيدا نقديا، مقارنة بما يجري حوله، "اذ يتمتع باستقرار نقدي مدعوم بسيولة مرتفعة". علما ان توقعاته للنمو لم تتجاوز نسبة الـ3% "اذا سمح المناخ السياسي والامني بذلك". وبعد سلسلة محطات مؤثرة، خفض توقعاته الى ما بين 2 واقل من 3%.
عام 2012، توجب على مصرف لبنان جبه الضغوط نافيا دوما وجود اي تهديد مباشر ضد اي مصرف لبناني، "لان الانظمة المعمول بها تحمي لبنان والمصارف". لكن الحماية الاهم في رأيه هي في كيفية تصرّف المصرف مع الاموال التي تدخل اليه، لانه يدرك ان الاحداث السورية لن تفضي الى اهتزاز اي مصرف في لبنان "بل قد تؤثر في ارباحها". وهذا ما تظهّر فعلا في النتائج التي قدّرها سلامة نفسه بخسائر لم تتجاوز قيمتها 400 مليون دولار.
في شباط، كان لسلامة ردّ على رسالة - الاتهام للمنظمة اليهودية، نافيا وجود اي علاقة مالية مع المصرف المركزي الايراني تاريخيا "في ظل انعدام اي تبادل تجاري يحتاج الى خطوط ائتمان او اعتماد"، اضافة الى التزامه قرارات السلطات الشرعية الدولية. وكان عليه ان يواجه الاسئلة الاميركية التي ترددت على ألسنة مسؤولين اميركيين زاروا بيروت، وفي مقدمهم نائب وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ديفيد كوهين الذي اكد له "ان لا مصلحة لاي مصرف ان يعرض قطاعا بكامله من اجل حساب او عملية، والمصارف تدرك ذلك جيدا، وهي حذرة في التعامل والتزام تطبيق القوانين".
لقد اظهر اقتصاد لبنان عام 2012 حصانة مميزة في جبه الصدمات القاسية، وذلك بفضل الصدقية في ادارة السياسة النقدية والتعامل المصرفي الحكيم منها الفصل بين المصارف التجارية ومصارف الاستثمار. بهذا الاقتناع، أطلّ سلامة على المجتمع المالي في طوكيو التي استضافت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، مختتما عاما صعبا لم يعفه من ابداء رأي استشاري في تمويلات سلسلة الرتب والرواتب، فاقترح التريث في تطبيق ما اقرته الحكومة "لمزيد من الدراسة مع التأكيد على تقسيطها 5 سنوات، وتوفير الموارد التي لا تضرّ بالحركة الاقتصادية وبالحقوق المكتسبة لموظفي القطاع العام، وبعد التواصل مع المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف والمؤسسات المالية لشرح المبادرة حفاظا على الثقة". والاهم في ما قاله سلامة لمجلس الوزراء، توقعه ان تزيد السلسلة الكلفة الثابتة على تشغيل القطاع العام وتضاعف كلفة الزيادات، "وستؤثر في كلفة القطاع الخاص، اذ سترفع نسبة الدين الى الناتج المحلي بعدما انخفضت واستقرت، علما ان لبنان من الدول الاعلى نسبة في العالم في هذا المؤشر". وقال ان زيادة الكلفة والضرائب تفضيان الى تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد "مما قد يضاعف الآثار السلبية".
فيوليت البلعة
[email protected]
Twitter:@violettebalaa
Source: www.annahar.com