داني حداد
لن تعقد الحكومة جلسةً هذا الأسبوع. هو أسبوعٌ آخر يمرّ من دون إيجاد حلٍّ لأزمة النفايات الأطول في تاريخ العالم الحديث. البلد الذي نافس إسرائيل على أكبر صحن حمّص ها هو يواجه العالم كلّه اليوم في المنافسة على أكبر مكبّ وأطول نهر من الأكياس التي تحتوي على أوساخنا. ولو ابتكر واضعو كتاب "غينيس" للأرقام القياسيّة فئةً عن "وسخ السياسيّين" لوضعنا بتصرّفهم مكبّات من القرارات العشوائيّة والمحسوبيّات والفساد الذي يجري كالدم في عروق جمهوريّة النفايات، جمهوريّة الأرز سابقاً.
يكثر الحديث منذ تموز الماضي عن الأمراض التي يسبّبها تجمّع النفايات. قرأنا دراسات وتابعنا مقابلات لخبراء بيئيّين وأطبّاء. شممنا روائح كريهة في أكثر من منطقة، وصُدمنا حين تابعنا عبر الشاشات سيلاً من النفايات يجتاح الشوارع، وها نحن نشتمّ عند عبورنا على أوتوستراد الزلقا - جل الديب، الذي يسلكه يوميّاً عشرات آلاف السيّارات والمزدحم بالشركات والمطاعم على مسلكيه، رائحة تعبق في المكان ناتجة عن تجمّع للنفايات على الشاطئ. بعد التعدّيات على هذا الشاطئ، الذي يشكّل إطلالتنا على المتوسّط، ونِعم الإطلالة، حان دور النفايات لـ "تِكمَل"!
باتت الأوساخ في كلّ مكان. وحدها تلك القاعة التي يلتقي فيها الوزراء، من حينٍ الى آخر، نظيفة وتعبق فيها رائحة العطور التي تدلّ على أنّ أصحاب المعالي "مهفهفين"، فَهُم "واجهة" هذا البلد و"صورته" ورافعو رأسه. هم الذين يتسابق بعضهم من أجل توقيع عريضة الاعتذار من السعوديّة، وينشغل بعضهم الآخر بما يجري في سوريا والعراق واليمن، ويهتمّ بعضهم الثالث بالرئاسة التي تدغدغ أحلامهم وتعمي بصرهم وبصيرتهم عمّا عداها، بينما المطلوب واحد: إزالة النفايات من طرقاتنا.
نسمع، منذ أشهر، عن أمراض وفيروسات بدأت تنتشر في لبنان، ويقال لنا إنّ الآتي أعظم، خصوصاً إذا استمرّت الأزمة حتى الصيف المقبل. وهناك من لا يتردّد بالتحذير من وصول الكوليرا الى لبنان. لعلّ أصحاب التحذير يجهلون أنّ الكوليرا منتشرة في لبنان، منذ سنواتٍ طويلة. ولمن يشكّ بالأمر، فليلقي نظرة على مجلسَي النوّاب والوزراء، من دون أن ينسى، بالتأكيد، أن يكمّ أنفه فرائحة البعض هناك لا تزيلها العطور...