زحلة – "النهار"
31 تموز 2013
دخلنا "ميني ماركت العطرات" لبيع السمانة والالبان والاجبان والخضر والفاكهة في بلدة قب الياس – قضاء زحلة، بعد تبلغ صاحبه السوري محمد من دورية لمخفر شتورا يرافقها بوليس بلدي، بقرار تسوية اوضاعه قبل الاول من آب على ما افادنا، تجنبا لاقفال محله نهائيا بعد هذا التاريخ. كان الرجل محتارا، كيف له ان يسوّي اوضاعه في يومين؟ فالاقفال ولو ليوم واحد، الى ان يجد حلا بعد انقضاء المهلة، يعني تلف جزء من بضاعته.
ربما التبس التاريخ على الرجل، فالاجراء المعمول به من مخفر شتورا هو الاقفال الفوري لكل المصالح الاقتصادية التي فتحها سوريون منذ اندلاع الازمة السورية، كونهم اتوا الى البلاد بصفة لاجىء، وامهال كل المصالح الاقتصادية السورية التي كانت عاملة قبل اندلاع الازمة في سوريا لغاية 31 آب لتسوية اوضاعها القانونية. وهو على ما افاد، فان المتجر افتتحه شقيقه في العام 2009، ليشغله هو منذ سنة، فيما تولى اخاه العمل على شاحنة بيك - اب التي يملكها. فالشقيقان يعيشان في لبنان ويعملان فيه منذ 30 سنة، وشقيقه متزوج من لبنانية.
يجزم الرجل ان تاريخ المهلة في القرار الذي قرأه ووقعه هو 1/ 8/ 2013 وليس 31/ 8/ 2013. في اي حال، فان تسوية اوضاع الميني ماركت تبدأ بان ينظم صاحب المبنى اللبناني عقد ايجار، وهو امتنع عن ذلك حتى الآن، حتى عندما رفع الايجار الذي يتقاضاه من 250 الف شهريا الى 500 الف ليرة في رمضان الفائت. الميني ماركت ممتلىء بالبضاعة والسلع حتى التخمة، اسعاره تنافسية عندما يتعلق بالالبان والاجبان والحبوب والزيت ومواد التنظيف السورية الصنع. الرجل، الذي ينقطع حوارنا معه اكثر من مرة لخدمة زبائنه وجميعهم من اللبنانيين، ممتن لمردود عمله عليه وعلى افراد عائلته المؤلفة من 13 فردا بينهم زوجتاه. وأشار الى انه يكدّ في العمل بمتجره الذي يبقى مفتوحا نهارا وليلا، فلا يخرج منه الا لينوب عنه ابنه البكر ليلا، وهو يعتمد على زبائن الليل. يقول زبائنه غالبيتهم من اللبنانيين، وان التدفق السوري لم يزد من زبائنه، على العكس، فاليوم، ثمة اكثر من جهة توزع المساعدات وقسائم الشراء على اللاجئين السوريين من امم متحدة ومساجد وبلديات.
بينما كنا في متجره، دخله شابان سوريان سبق أن التقيناهما مع مجموعة من الشبان السوريين، وقد تبلغوا للتو قرار الاقفال الفوري لمتاجرهم التي افتتحوها بين عامي 2012- 2013 وتنوعت بين صالون حلاقة، واكسسوار نسائي واكسسوارات اجهزة خليوية. صحيح ان بينهم من قدم الى لبنان هربا من الحرب في بلاده، الا ان ايا منهم لم يتسجل في مفوضية الامم المتحدة، على ما افادوا. هم يرفضون صفة لاجىء، ولا يبغون مساعدات واعانات ما داموا قادرين على ان يعتاشوا من عملهم، ويرون ان الدولة اللبنانية تدفعهم بهذا الاجراء الى ان اتخاذ صفة لاجىء. لا يقنعهم كل الكلام عن اعباء تدفق اللاجئين السوريين على المجتمعات اللبنانية، ولا يرون "كيف يثقلون عليها؟". على العكس، فانهم يعتبرون بان اللبنانيين يفيدون ماديا من اللجوء السوري اليه، فيوردون على سبيل المثال ارتفاع الايجارات. يشكل لبنان لواحد منهم ولعائلته وطنا ثانيا، "والدي دفن في قب الياس" يقول، ليضيف بان المنزل الذي كان يستأجره بـ60 الف ليرة شهريا، ولم يكن يرضى لبناني استئجاره نظرا الى حاله، بات مالكه يتقاضى منه 200 دولار بدل ايجار شهري، بعد الازمة السورية، ويقع على عاتقه دفع فاتورة الكهرباء والمياه، الى جانب فاتورة المولد الخاص.
احبطهم القرار، الى حدّ اعتباره اضطهادا، فيطلب صاحب صالون الحلاقة الرجالية بان ننقل له نداء الى الامم المتحدة بانه مع كل ما يجري في سوريا فان الدولة اللبنانية تمارس عليهم ضغوطا. يجادلون في المضاربة غير المشروعة التي تشكلها المصالح السورية غير المرخصة لمثيلاتها من المصالح اللبنانية، وبأن المطلوب هو قوننة النشاط الاقتصادي السوري في لبنان، اسوة بما هو معمول به في بلدهم سوريا حيث لا يمكن لأجنبي ولا لعربي ان يفتح مؤسسة اذا لم تكن نظامية. فالشاب الذي لا يزال تحت صدمة تبليغه بالاقفال الفوري لمتجره الذي انفق عليه رأس ماله لتجهيزه وتزويده بالديكورات ليصبح متجرا انيقا يليق ببيع الاكسسوارات النسائية، بعدما كان مرآبا يركن فيه صاحب المبنى سيارته، وان كان مدركا للقوانين المرعية الاجراء، فانه لا يتفهم سبب تطبيقها على السوريين. المحبط منهم يقول "فور انتهاء الازمة في سوريا سنقفل ابواب متاجرنا، ونغادر الى بلدنا، نتركها بمحتوياتها". فيضيف الحانق "بل ساحرق محتوياتها".
ثمة سبب لاستهجان السوريين ان تكون الدولة اللبنانية قررت تطبيق قوانينها، ليس آخرها، ان يتزامن قرار التبليغ بالاقفال الفوري مع كلام من نوع "سنعتبر انك اقفلت، ونغض الطرف، ولكن عندما ستأتي دورية امن الدولة ستضطر الى الاقفال". او عندما يواجهك احدهم بالواقع العشوائي للعقارات وللعمران في لبنان " تسوية اوضاع المحل كما يطلب القرار الذي تبلغناه، يحتاج بداية الى ان يقوم صاحب المبنى بتسوية وضع مبناه المخالف". هذه الملاحظة جاءت على لسان محدثنا السوري، الذي لم يقلقه القرار، لان المطعم الذي عاد للتحضير في مطبخه لوجبات الافطار بعد زيارة دورية الدرك له، يستثمره لبنانيون، هم اولاد خاله وهو يعمل معهم. وقد كشفت عليه وزارة الصحة ووافقت على شروطه الصحية"، على ما قال.
سبق وقالها احد الضباط متهكما، ستنتهي الحملة الى ان كل المصالح التي احصيت لسوريين هي للبنانيين. وهذا هو المخرج، الذي كان متداولا بين السوريين الذين تبلغوا قرارات الاقفال او تسوية الاوضاع، التوافق مع مؤجرهم اللبناني على انه هو صاحب العمل، او تنظيم عقد ايجار باسم لبناني يدعيّ بأنه هو صاحب العمل والسوريين موظفين لديه وليسوا شركاء، وهذا التواطؤ واجهته فرق دائرة الاقتصاد في اكثر من محطة، من جولاتها على البلدات لملء استمارات "تصريح مؤسسة" للمصالح السورية. فيما البلديات ترحب بقرار تنظيم الانشطة الاقتصادية السورية في نطاقها، وتنأى بنفسها عنه عند التطبيق. "لا تراجعونا في البلدية، راجعوا المخفر". وتتناسى ان اولى الخطوات القانونية تبدأ تسجيل عقد الايجار لديها، ومن ثم الترخيص للافتات المحال المرفوعة، وسواهما...
على بعد عشرات الامتار من "ميني ماركت العطرات"، تقبع اللبنانية انعام الحاراتي في دكان السمانة التي تستثمرها، باليسير من البضائع الموزعة على الرفوف. نسألها عن مدى تأثير دكاكين السمانة السورية عليها فتجيب: "لم نعد نبيع. بت اكتفي بخمس ربطات خبز لبيعها، وها قد حلّ بعد الظهر، ولم ابع بعد سوى واحدة. وكأنه لا يكفينا بؤسنا نحن اللبنانيين". اذا هي تؤيد قرار الدولة بقوننة المصالح الاقتصادية السورية او اقفالها؟ "وين في عنا دولة يا بنتي، ضيعانك يا لبنان". الحاجة انعام التي باتت وحيدة منذ وفاة زوجها، تعيش من مردود دكانها، ظنت انها اذا تعاقدت مع مفوضية اللاجئين في الامم المتحدة، لتصبح على لائحة محال المواد الغذائية والسمانة المعتمدة لصرف القسائم الغذائية الموزعة من المفوضية على اللاجئين السوريين، سيحسن من مبيعها، لكنها وجدتها عملية معقدة لسيدة مسّنة، لا تعرف كيفية استخدام التكنولوجيا.
بالعودة الى الحديث الذي كان دائرا في "ميني ماركت العطرات"، استذكر مستثمره السوري محاولات ثنيه عن قراره باستئجار بسطة في سوق الاحد الشعبية، لوجود قرار باقفال السوق، ليضيف "مرت ثلاث سنوات والسوق لم تقفل". لا ذنب للسوري سوى انه كشف عورات دولة استفاقت بعد اكثر من سنتين على اندلاع الازمة في سوريا على تنظيم اوضاع المارد الذي نما على ارضها، دولة كل مسؤول يعطيك فيها موعدا، وعند التنفيذ كل جهاز ينفذ وفق فهمه للقرار، واحد يبلغه الدركي بالاقفال الفوري لكون متجره افتتح في السنتين الاخيرتين، وآخر في الوضع نفسه تبلغ من عناصر امنية مدنية، مهلة 15 يوما لتسوية اوضاعه. فرق دائرة الاقتصاد تجوب شوارع البلدات وزواريبها، لاحصاء المصالح الاقتصادية السورية وتسجيلها، في مهمة شاقة وشبه مستحيلة لجهة الاحاطة بها كلها، فتواجه بتواطؤ لبنانيين يدلون بمعلومات كاذبة، او يحرضون سوريين على الامتناع عن الادلاء بمعلومات، ليس صونا للقمة عيش السوري بل للتستر على مخالفتهم لقوانين بلادهم بتحقيقهم كسباً غير مشروع، من دون ان يزعجهم احد كلبنانيين، لولا موجة تململ مواطنيهم من "المضاربة غير المشروعة" للسوريين.
ايها اللبنانيون، "يلي من ايدو الله يزيدو"، أليس هذا هو القول الذي نردده عندما يوقع احدهم نفسه بورطة. حملة تنظيم النشاط الاقتصادي السوري في البقاع انطلقت، والامور بخواتيمها، عسى الا تنتهي بأن "تروح على المعتر السوري واللبناني" وينفذ منها الميسورون والمدعومون والمستفيدون اللبنانيون قبل السوريين منهم.