شربل رحمة
في البدء تغنّوا بالشَعّر، فكانت الضفائر والجدايل "السّمر والشقر" محطّ غزلٍ راقٍ يدقُّ له قلب الحبيبات ولعاً وشوقاً. وبعد أن كُتبت لخصائل الشِعر قصائد وأغنيات، "تطوّر" مستوى المعاني لـ "ينزل" من الشَعر الى الأظافر، ومن يعلم الى أين ينحدر بعد؟
لم تكن المفاجأة الكبرى في أغنية "محلاكي"(كلمات حياة أسبر) للفنان حسين الديك الذي يقول مطلعها "ضفرك بهالدنيي كلّا، روحي حطّيتك محلّا"، فالأخير اشتهر باستعماله المصطلحات الأكثر شعبية في ما يقدّمه للجمهور، وهذا ربّما ما ساهم في انتشار أغنياته الى حدّ معيّن.
لكنّ المفاجأة التي صدمت بعض الأشخاص الذين يركّزون أوّلاً على كلمات الأغنية ليفهموا معانيها قبل أن يصفّقوا لإيقاعها، كانت في أغنية "كفّك بكفّي" للفنان رضا والتي تحمل توقيع الشاعر راشد الشيخ.
فبعد أن اشتهر الأخير بأغنيات لاقت نجاحاً كبيراً كـ "عزّتني الدني"، "بيبعت الله كبير"، "عدّى العمر" وغيرها، لا يمكن لمتابعيه إلّا أن ينتظروا منه الأعمال التي تفوق المذكورة شعراً ومعنى.
وفي أغنيته الأخيرة، لجأ هو أيضاً الى استعمال "الإضفر" ليعبّر عن مدى إخلاصه لحبيبته بالقول:
"حطّي كفّك بكفّي
ومشّي هالعمر نكفّي
ما بدّي كنوز ولا مال
والله ضفرك بِكفّي".
وعلى الرغم من أنّ المثل الشائع يقول "ضفرك بالدني"، إلّا أنّه من غير المحبّب استعماله في الأغنيات التي من المفترض أن تحمل معانٍ تضمينية تجعل منها أعمالاً تُرفع لها القبّعات.
وللقرّاء الذين لم يجدوا أيّ نقص بالمعنى، نتوّجه إليهم ببعض الأمثلة البديلة لعلّنا نأخذ حسّهم الشعري الى مستوى جديد.
فلو استعمل الشاعران المذكوران المصطلحات "قلبِك/حُبّك/إسمِك بهالدنيي كلّا"، أو "والله وجودِك/حنانِك/إخلاصِك بكفّي"، أما تظنّون أنّها كانت لتخدم الأغنية أكثر من "ضفرك"؟
لا نتمنّى أن نجرّح أحداً، إنّما نحاول أن يفهم الشعراء والفنانون والملحنون والقائمون على الفنّ اللبناني والعربي، أنّ هناك من لا يصفّقوا كغيرهم "كيفما كان". وأخيراً، نأمل أن يقف الغزل عند "الضفر" و "ما ينزل أكتر نزول".