سمر يموت - خاص "لبنان 24"
ما بين كازابلانكا وتوغانو وفالنسيا وكوتونو ولاس بالماس، كانت طائرة خاصة تجوب سماء هذه الدول ومطاراتها، محمّلة بـ 47 حقيبة كوكايين مغلّفة بشعارات الصليب الأحمر، لكنّ المفارقة أنّ بطلة هذه الرحلة والصفقة الكبرى سيّدة لبنانية، كانت تأمر الطائرة بالإقلاع والهبوط ما بين مطار وآخر تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب.
فصول هذه القضيّة تكشّفت مع ورود برقية إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، من ملحق الشرطة الألمانية في بيروت، تتضمن معلومات تفيد بضبط السلطات الإسبانية في جزيرة لاس بالماس، 1,6 طن من مادة الكوكايين على متن طائرة خاصّة، تمّ توقيف طاقمها وأفرادها وهما القبطان ومساعده من التابعية الألمانية والمضيفة النمساوية.
البرقية الأمنية تحدثت عن إنطلاق الطائرة من فنزويلا وهي متوجّهة إلى كوتونو، وأفاد أفراد الطاقم لدى استجوابهم من قبل الشرطة الاسبانية، أنّ اللبنانية "ر. ط" كانت على متن الرحلة ولم تحضر عند المغادرة من فنزويلا، وبأنّهم تلقّوا تهديدات بقتلهم وقتل أقاربهم إذا لم يقوموا بنقل المخدرات، حتى أن أحد الإتصالات ورد من رقم هاتف لبناني.
السلطات الألمانية أجرت بدورها تحقيق بالأمر، ليتبيّن لها أن السيدة اللبنانية صعدت على متن الطائرة الخاصة من كازابلانكا المغرب، وكان من المقرّر أن تتوجّه إلى غرينادا، إلّا أنّه تمّ تغيير مسارها وحطّت في توباغو بعد منتصف الليل، حيث أمضت "ر.ط" ليلتها في أحد الفنادق، فيما أمرت أفراد الطاقم بالإقلاع عند السادسة صباحاً باتجاه مدينة بينين في كوتونو غربي أفريقيا، وأبلغت الطاقم بأنّ شخصاً ثانياً سيصعد معها صباحاً على متن الطائرة، من دون إعطاء تفاصيل إضافية عن إسم الشخص أو نوع الحمولة، وقد بقي أفراد الطاقم داخل الطائرة بدلاً من الذهاب إلى الفندق.
وبالفعل وصلت ليلاً مجموعة من المسلّحين، وأجبروا أفراد الطاقم تحت التهديد على القبول بتحميل 47 حقيبة تحتوي على 1,6 طن من الكوكايين وتحمل الحقائب علامة الصليب الأحمر، ثم أرغم المسلحون تحت التهديد قائد الطائرة على الإقلاع والتوجّه إلى كوتونو، وهي الوجهة التي يفترض أن تنقل اليها شحنة المخدرات.
فور الاقلاع إتّصل طاقم الطائرة بمقر القيادة ومدير الشركة وأبلغهما بالأمر، ثم تابع مساره فوق أوروبا، الى أن حطّت في مطار لاس بالماس في إسبانيا وجرى توقيف الطاقم ومصادرة المخدرات بعد تنسيق مع الأنتربول الدولي وتدبير هبوط الطائرة ومصادرة المخدّرات.
ما إن علمت "ر. ط" بمغادرة الطائرة مع حمولتها، إتصلت بالطاقم من رقمها الفنزويلي، وأمرته بالتوجّه إلى كوتونو قائلة: "إن ذهبتم إلى كوتونو فكل شيء على ما يُرام"، ثم صعدت على متن طائرة تجارية في كاراكاس حيث أقلعت باتجاه مدريد بعد أن تواصلت مع رقمين لبنانيين.
وبناء على هذه البرقية جرى استجواب "ر. ط" من قبل مكتب مكافحة المخدّرات المركزي، فأفادت أنّه منذ أقل من سنة تعرّفت على "ع. د" في إحدى مقاهي مجمّع الـ ABC وزوّدته برقم هاتفها بعد أن طلب منها القيام بأعمال ديكور لڤيلا يملكها، ثمّ عرض عليها القيام برحلة إلى المغرب ومنها إلى كوتونو لقاء مبلغ مالي وذلك على متن طائرة محمّلة بأغراض غير مشروعة، وبعد أن استمهلته للتفكير، أخبرته بعد أسبوع عن موافقتها، ليعودا ويلتقيا مجدّدا في فندق الـ"فور سيزن" مقابل "الزيتونة باي"، حيث عرّفها على شخص هولندي هو "ف. ك" قال أنّه كابتن سابق في فنزويلا، سيكون موجودا يوم تنفيذ العميلة، وقبيل سفرها دفع لها 5 آلاف يورو من أصل 30 ألف دولار أميركي وسلّمها رقمين للتواصل معها أثناء وجودها في الخارج.
وأدلت السيّدة بوقائع تفيد عن تلقيها إتصالا فور وصولها إلى فنزويلا، من قبطان الطائرة الذي بدا مرتبكاً وخائفاً، يخبرها فيه عن مجهولين يحاولون تحميل الطائرة بحمولة إضافية، وأنّ هناك من شهر مسدّساً بوجهه وصوّبه نحو رأسه، لتعلم بعدها من "ع. د" بأن القبطان غادر مع الحمولة دون إذن، ولدى عودتها إلى بيروت، إتصلت على الفور بـ"ع. د" وقالت له "خربت لي حياتي" فأخذ يختلق الأعذار والحجج ويدعي أنّه لم يكن يعلم بنوع الحمولة.
وقائع هذه القضية أوردها الحكم القضائي الصادر عن محكمة جنايات جبل لبنان برئاسة القاضي هنري الخوري، خلص فيه الى إعلان براءة الهولندي"ف. ك" من جناية الإتجار بالمخدّرات لعدم كفاية الدليل، بعدما أكدت "ر. ط" أنّه غير الشخص الذي إلتقته في الفندق، فيما كانت الأخيرة خضعت للمحاكمة في وقت سابق.