يُعدّ البخل من العاهات المعيبة عند الإنسان. يعيش البخيل حياته من دون أن يتذوّق طعمَها، بسبب تصرّفاته "البخيلة"، التي تلازمه طوال الوقت. فهو يفكّر بطريقة مختلفة عن الإنسان الذي يكسب المال وينفِقه على حاجاته. للبخيل هوية تميِّزه عن سائر الناس، وهي جمعُ المال. يكتفي بجمع المال والاستمتاع بتكديسه، كما تجميع الطعام، بدون الاستمتاع بطعمه، فتصبح حياة البخيل مسلسلاً في التجميع من دون الاستفادة منه أو الاستمتاع بما جمَّع. ما هي خصائص الشخص البخيل؟ كيف يؤثّر الزوج البخيل على زوجته؟ وكيف يمكن مساعدة الأطفال الذين يعانون من هذه الآفة؟ يُعرَف البخل بكنزِ المال وجمعِه وعدم إنفاقه بحجّة الخوف من المستقبل، وهي خصلةٌ ذميمة تمنَع الفردَ من البذل والعطاء، على المستوى المادّي المتمثّل في المال والأشياء، أم على المستوى المعنوي المتمثّل في العاطفة ومشاركة الآخرين وتشجيعهم ودعمهم ومحبّتهم.
على صعيد علم النفس التحليلي، يُعتبَر البخل "خصلة" تنبع عند الإنسان لتقلّلَ من قلقه. يعني ذلك أنّ تصرّفات البخيل تنتج عن خلل نفسي، مصدرُه الطفولة، خصوصاً في "مرحلة الشرجية"، وهي إحدى مراحل النموّ النفسي عند الطفل.
ما هي أسباب البخل؟
تَعتبر الدكتوره حمدة فرحات، المعالجة النفسية وأستاذة علم النفس العيادي والمرضي في الجامعة اللبنانية، أنّ هناك العديد من الأسباب وراء ظهور البخلِ عند الإنسان، منها: "التنشئة ضمن أسرة بخيلة، أو الخوف من المستقبل، أو عدم احترام الآخر، والاعتقاد بأنّه لايستأهل العطاء".
كما هناك أسباب نفسية "تعود بحسب سيغموند فرويد إلى مراحل النموّ في الطفولة الأولى، بحيث يكون الطفل قد تعرّضَ لتربية صارمة في مرحلة التنظيف والتدريب على استعمال المرحاض، فتتكوّن لديه ردّة فعل، وتكون بميله إلى الاحتفاظ بالفضلات في جسمه ممّا يسبّب له شعوراً باللذة في المنطقة الشرجية فيثبت على هذه المرحلة وينقل الموضوع إلى الأشياء المادّية والعواطف فيما بعد، وغالباً ما يعادي المجتمعَ ويكون ساديّاً ولا يشعر بالأمان".
البخل في عالم الطفل
الأهل مسؤولون عن تصرّفات الطفل، وهم مَن يجعلونه شخصاً بخيلاً في المستقبل. فإذا اعتاد الطفل على تخبئة كلّ ما يملك من دون أن يُنفق منه شيئاً، ولم يعتَد منذ صغرِه على البذل و العطاء فإنّه لن يعتاد على ذلك في كبَره.
وللبيئة دورٌ بارز في تشجيع هذا التصرّف غير المحبّب من أحد، فالعائلة التي ينشأ فيها الطفل تكون من العوامل الرئيسة التي تتسبَّب في تحويله إلى شخص بخيل. ويلاحظ علماء النفس أنّ بيئة أسرية غير متفاهمة وميّالة إلى الأخذ دون العطاء أو تقديم أيّ مساعدة، تجعل من الطفل، شخصاً أنانياً، يحبّ المادّة وبخيلاً.
إلى ذلك، الأمّ والأب اللذان لا يشجّعان طفلهما على مشاطرة ألعابه وقصصِه، وعلى تقديم المساعدة لأحد، يعظّمان عنده قيمة الأشياء ويحوّلانه إلى شخص يخاف على أغراضه ولا يحبّ أن يعطي شيئاً للآخرين.
الحلول لمحاربة البخل عند الأطفال
للأمّ والأب دورٌ بارز في حماية طفلهما من أعراض البخل، إذ يميل الطفل دائماً إلى تقليد والديه. لذا على الأهل تعليم طفلهم العطاءَ من خلال ممارسة العطاء أمامه، والطلب منه أن يقوم بنفس "العطاء" من خلال تمرين صغير، مثل إعطاء أحد المحتاجين بعضَ المال، أو وضع هذا المال في مكان مخصّص للفقراء والعائلات المحتاجة. فمن خلال التمرين والتكرار، تتأصّل في ذهن الطفل فكرة العطاء التي تصبح واجباً لديه.
إلى ذلك يتدرّب الطفل من خلال مشاركته في القيام بمشتريات المنزل، على الإنفاق و"إعطاء" المال للحصول على الحاجيات اليومية. وخلال النزهات العائلية، يجب على الوالدين تقبيح عادة البخل أمام طفلهما وتكرار الصفات البشعة لهذه العادة على مسامعه، فتتكوّن في ذهن الطفل، صورة "بشعة" للبخل، ما يُبعده عنها تلقائياً. كما يمكنهما أن يسردا له قصصاً تتحدّث عن العطاء.
وكأيّ تصرّف جيّد يقوم به الطفل، يجب على الأهل الثناء عليه ومدحُه، عندما يلاحظان أنّه يعطي بدون مقابل، ويُظهر علامات البذل. فدور الأهل هو تشجيعه وتهنئته على التصرّف الجيّد الذي قام به، وتشجيعُه على تكراره والمواظبة عليه.
ولكن خلال تعليم الطفل البذلَ والعطاء، يجب أن لا يصل الوالدان إلى حدّ التبذير، كي لا يقعا في مشكلة أخرى. كما من واجب الوالدين أن يفسّرا للطفل أن العطاء لا يكون مرتبطاً بالفقراء والمحتاجين فقط بل يكون مع الجميع حتّى مع النفس.
الرَجل البخيل والمرأة البخيلة
تؤكّد المعالجة النفسية، الدكتوره فرحات، أنّ "البخل عند الرجل هو أكثر منه عند المرأة، وذلك لأنّ الرجل مطلوب منه اجتماعياً الإنفاق على العائلة، أمّا المرأة فبطبيعتها الجسَدية معطاء وعاطفية، ودورُها يقتضي ذلك، ولكن توجَد استثناءات بالطبع".
وتضيف أنّه "ما مِن وصفة سحرية للتخلّص من البخل، خصوصاً في حال كان البخيل في مرحلة عمرية متقدّمة. فمِن المستحسن أن يسعى الأهل إلى كشفِ البخل عند أبنائهم باكراً في حال وُجد، والعمل على محوِه منذ الطفولة من خلال تشجيع الولد على العطاء وإعارة ألعابه".
أمّا بالنسبة للزوج البخيل فعلى المحيطين به معرفة أسباب بخلِه والعمل عليها من خلال استشارة عِلم النفس، خصوصاً التحليل النفسي وعِلم النفس المعرفي، لتدريب البخيل على سلوكيات جديدة. ويحدّ من البخل تشجيعُ البخيل على العطاء وتسليط الضوء أمامه على أهمّية مشاركته الآخرين والتقاسم معهم، هذا بالإضافة إلى الثناء عليه مسبَقاً والتأكيد بأنّه سيعطي وبأنّ الجميع يعطي ومنهم الزوجة، خصوصاً إذا كانت عاملة، وعليه مبادلة عطائها بالمِثل.
والواقع يقول إنّ عواقب البخل وخيمة جداً وتؤدّي الى تفكّك العائلة ونُفور الزوجة، لأنّ الموضوع أساسُه رفضُ الآخر ونقصُ الحب، وقد كتبَ عنه الأدباء واعتُبر في الديانات كافةً من الكبائر. فالبخيل ببساطة يمنَع الحياة عن زوجته، وبالتالي عن عائلته، إذ إنّ فاقدَ الشيء لا يعطيه.
(د. انطوان الشرتوني - الجمهورية)