لا يرضي المركز الخامس عشّاق كرة السلّة اللبنانية الذين اعتادوا على اعتلاء منصّات التتويج، غير أنّ ذلك لا يعني بأنّ النتائج تأتي حصراً بالتمنّي أو الشغف تجاه الكرة البرتقالية. فالسلّة اللبنانية التي عرفت سنوات من «التراجع» على الصعيد الفنّي وتحديداً بين العامين 2008 و2012، عادت لتتألّق وتثبِت للمتابعين أنّ لديها خامات واعدة ومواهب قادرة، فعكسَت صورة طيّبة عن اللعبة مقابل إدارة عاجزة وضعيفة.
فالمنتخب اللبناني الذي شاركَ في بطولة آسيا الأخيرة واحتلّ المركز الخامس، أعاد وضع نفسه في خانة المنتخبات العائدة إلى مصاف الكبار في آسيا، وإذا لم تكن العودة المنشودة تحقّقت بالكامل، فالمشاركة هذه وضعَت مدماك العودة بعد 8 سنوات من الغياب عن منصّة التتويج، أي منذ العام 2007 عندما أحرز منتخب الأرز فضّية آسيا. أسباب كثيرة تجعلنا راضين بصورة أو بأخرى عن المشاركة الأخيرة للمنتخب، لو أنّه كان بالإمكان أفضل، غير أنّ ما تحقّق ووفق الإمكانات المتاحة كان جيّداً جداً.
يكفي فقط القول إنّ المنتخب الصيني يستعد منذ 3 سنوات لهذه البطولة ونصف فريقه الحالي شاركَ مع المنتخب الصيني الرديف في بطولات مكثّفة قبل ترقيتِهم الى المنتخب الاوّل. المنتخب الفليبيني استعان بخدمات النجم أندريه بلاتشي مقابل مئات الآلاف من الدولارات (بلاتشي هو أغلى لاعب اجنبي في تاريخ الدوري الصيني).
المنتخب الإيراني عرف كيفية استغلال جيله الذهبي حتى أفوله، المنتخبات الأخرى ككوريا واليابان وقطر وغيرها تملك أيضاً من الثبات الكافي لكي تكون دائماً ضمن المنتخبات الثمانية الأفضل.
أمّا في حالة لبنان، فالتدهور الإداري وصلَ الى حدود غير مسبوقة، فتحضيرات المنتخب لم يمرّ عليها يوم ولم تشهَد سلسلة من النكسات والضربات والتأجيل والمماطلة، ناهيك عن سوء التنسيق والخلافات الداخلية، وهو ما جعلَ المنتخب يسير منفرداً بين حقول من الألغام. فلو عرف الاتّحاد كيفية استغلال العودة الجيّدة التي حقّقها في بطولة غرب آسيا ووظّفها بتفعيل العمل لبطولة آسيا، فهناك يقين بأنّ نتيجة المنتخب كانت ستأتي أفضل.
رغم ذلك، هناك مكتسبات كثيرة، وأسئلة أيضاً ستُطرح بقوة بعد هذه المشاركة. نستعرض المكتسبات كالتالي:
1- لم يسبق للمنتخب أن لعب بهذه القوة التنافسية من دون فادي الخطيب. ولم يلعب المنتخب يوماً بثقة مرتفعة كما فعل في بطولة آسيا، فتَترجَم ذلك بتحقيقه خمسة انتصارات من أصل 9 مباريات. ومن بين الهزائم الأربعة، خسارة غير مستحقّة أمام قطر، واثنتان صعبتان أمام كوريا الجنوبية والفليبين، وواحدة غير ساحقة أمام الصين من دون وضع مجهود رفيع.
2- قدّم المنتخب على طاولة السلّة الآسيوية مجموعة من اللاعبين الشبّان الذين أدّوا على مستوى عالٍ، وفي طليعتهم وائل عرقجي (21 عاماً) وأمير سعود (24 عاماً) وأحمد إبراهيم (23 عاماً) وعلي حيدر (25 عاماً) وباسل بوجي (25) وجو أبي خرس (23). هذه المجموعة ستكون ركيزة المنتخب في السنوات المقبلة، وما هو مؤكد أنّها مجموعة قادرة على حمل لبنان إلى مصاف المنافسة.
3- لم «يعتمد» المنتخب بصورة مفرطة على اللاعب المجنّس. فخاضَ العديد من المباريات من دونه، ولم يصَب أداؤه بتذبذب كبير. وهذا ما يؤكد أنّ هؤلاء اللاعبين يمتلكون القدرات الفنّية ليكونوا على قدر المسؤولية في شتّى الظروف.
4- لم يخُض المنتخب البطولة بلاعب ارتكاز صريح، ومع ذلك جارى المنتخبات الأخرى، وبذلك فإنّ الاستعانة بلاعب ارتكاز قويّ ستعزّز من قدرات المنتخب مستقبلاً.
5- عودة الجمهور بقوة للتفاعل مع المنتخب الوطني فيها تأكيدٌ للمعنيين أنّ هذا المنتخب هو في صميم اللعبة ولا تمحوه الأيام ولا الغيابات ولا ارتفاع حدّة المنافسة بين الأندية.
في مقابل هذه الإيجابيات أو المكتسبات التي عاد بها المنتخب، هناك أسئلة تبقى برسم المعنيين بهذه اللعبة، فهذه الإيجابيات لن تجد طريقها إلى النجاح ما لم تشهد ثورةً إدارية تصحّح الاعوجاج الذي يتزايد يوماً بعد يوم في إدارة اللعبة.
ومن هذه الأسئلة:
1- هل يَعرف المعنيون أنّه ابتداءً من العام 2017 سيحتاج المنتخب الى طاقم تدريبي على مدار السنة، لأنّ تصفيات كرة السلة ستكون شبيهة بكرة القدم؟ وأنّ آسيا تملك 7 بطاقات، غير الصين، تؤهّل إلى كأس العالم، وبالتالي فرَصنا مرتفعة في التأهل شرط العمل والتخطيط؟
2- هل ستبقى اللعبة أسيرة اتّحاد ضعيف ومتقهقر تعصف به الخلافات الداخلية من كلّ حدبٍ وصوب؟ وهل سيكون الاتّحاد الجديد المتوقّع انتخابه في صيف 2016 صاحب رؤية أم أنه سيستمرّ في النهج الحالي البعيد كلّ البعد عن هموم اللعبة ويفشل في أبسط الأساسيات، كتحديد موعد انطلاق البطولة ووضع روزنامة محلية وغيرها؟
3- هل سيبقى المنتخب «واقفاً عن العمل» حتى أوّل استحقاق رسمي، أم نستفيد من الوقت الفاصل للمشاركة في بطولات مدرَجة سنوياً، ككأس آسيا وجونز كاب وغيرها؟
4- هل سيبقى العائق المادي عثرةً في وجه المنتخب أم يفَعّل الاتحاد من عمله لتأمين استمرارية المنتخبات من دون نسيان دور وزارة الشباب والرياضة التي وعَدت ولم تنفّذ، وإنْ نفّذت ستنفّذ متأخّرةً بعد انتهاء بطولة آسيا!